الأمم العظيمة تنتعش بتجديدها الدائم لذخيرتين عظيمتين من المعرفة. الأولى تتضمن المعرفة من القصص التي نحكيها عن أنفسنا. وهذه معرفة عن أنفسنا كشعب وكيف وصلنا إلى هنا، وإلى أي حد تجمعنا الصراعات، وما نجده محط إعجاب وما هو مخزٍ،

وما نوع العالم الذي نريد بناءه سوياً. هذا النوع من المعرفة ليس مجرد معرفة حقائق. إنه إطار أدبي من خلاله نرى العالم. لقد علّم «هوميروس» اليونانيين القدامى الطريقة التي يدركون بها واقعهم. وبالنسبة لأميركا، تزخر القصة المهيمنة بشخصيات لامعة، مثل ايرفينج بيرلين وودي جاثري وآرون بير وسيزر تشافيز وسوجونر تروث وروبرت جولد شو.

وهذه التجربة القومية دعت الأميركيين إلى مشاركة شغف الشاعر والت ويتمان في احتواء مهرجان كامل وهائل من القصص لنري أنفسنا في أفكارها المحورية ونشعر بأنفسنا في إطار هذه القصة. وهذه المعرفة العاطفية والأدبية يجب أن تعطينا شعوراً بالهوية وشعوراً بالقيم التي نعيش من أجلها وتقديراً لقيمنا المهمة لدى معظمنا، سواء كانت المساواة أو الرخاء أو الحرية. وأخيراً، هذه القصص المشتركة، وهذه المعرفة المشتركة يجب أن تساعدنا على اكتشاف مصير مشترك وتعاطف مشترك تجاه بعضنا البعض.

والذخيرة الثانية من المعرفة هي المعرفة القائمة على الفرضيات. وهذا النوع من المعرفة نكتسبه من خلال العقل والبرهان المنطقي والتحليل المتمعن. وبعض هذه المعرفة تجريبي يمكن توطيده باستخدام الأدلة بعناية. وبعض هذه المعرفة متضمن في أفكار قوية يمكن الجدل فيها.

وكتب «جوناثان راوخ» في كتابه «دستور المعرفة» عبارة حصيفة جاء فيها «تاريخ كل المجتمعات حتى الآن هو تاريخ صراع الطبقات». واكتساب هذا النوع من المعرفة عملية جماعية. إنها ليست مجرد تعليق مجموعة من الناس على تدوينات بعضها البعض على «الإنترنت».

إنها شبكة من المؤسسات والجامعات والمحاكم والناشرين وجماعات المتخصصين والمنافذ الإعلامية التي أقامت مجموعة متشابكة من الإجراءات لتعقب الخطأ وتقييم الأدلة وتقرير أي الأطروحات تحظى بالقبول. وهذه هي المبادئ نفسها المتبعة في المنهج العلمي. فقد أشار «راوخ» أن شخصاً ما قد يكون أحمق، لكن الشبكة ككل ذكية مادام أن كل شخص يتمسك بقواعد معينة. ولا أحد له القول الفصل، فكل فرض قد يكون خطأ. ولا ادعاء لسلطة شخصية، أي أن حيثيات شخصيتك لا تقرر حقيقة ما تقول، بل تقررها الأدلة. ولا اعتصام بالسلامة، بمعنى أن ليس لك أن تصادر فكرة لمجرد أنها تجعلك لا تشعر بالأمان. يشعر كثيرون منا اليوم أن أميركا تعاني أزمة معرفية. فنحن لا نرى الواقع نفسه.

والناس يقولون، إنهم يزعمون أن المشكلة فكرية وإن نظامنا لإنتاج المعرفة القائمة على الفرضيات ينهار. فلماذا لا يتحقق هؤلاء الأشخاص من الحقائق بأنفسهم؟ الواقع أن دونالد ترامب لم ينج بإدعاءاته لأن اتباعه فشلوا في بديهيات نظرية المعرفة، بل نجا لأنه يسرد قصصاً عن ادعاء حق الملكية ونزعه تبدو كما لو أنها صحيحة لدى كثيرين. وبعض الطلاب في مدارس الصفوة، ليس لديهم حاسة نقدية وغير متسامحين؛ لأنهم يفتقرون المهارات التحليلية. ويشعرون بأنهم وقعوا في أسر نظام أخلاقي يبدو كما لو أنه غير آمن وغير عادل. انهيار الثقة وصعود العداوة تمثل مشكلات عواطف وليس مشكلات فكر.

المشكلة الحقيقية تكمن في نظامنا لإنتاج قصص مشتركة. وإذا لم يستطع بلد ما سرد قصص يجد فيها كل شخص مكاناً كريماً، سيدفع غضب مسوغ الناس نحو قصص قبائلية تمزقناً. وبعض اللوم يقع على «المحافظين» الذين يحاولون غسل التاريخ. وجزء من اللوم يقع على التقدميين الذين يسردون قصة سلبية من التاريخ تمزق الوطنية. لكن لب المشكلة تتمثل في فشلنا في فهم معنى التثقيف. لقد كتب ديفيد هيوم ذات يوم يقول «العقل عبد للانفعالات وليس له أن يكون غير ذلك».

وما أن يدرك المرء أن الناس مخلوقات لها رغائب وليسوا مخلوقات عقلانية، يدرك أن أحد المشروعات العظيمة في التعليم والثقافة هو تهذيب الانفعالات. وهذا يعني مساعدة الناس على تبني النوع الملائم من الغضب تجاه الظلم والصيغة الملائمة من التوقير قبل التضحية والنوع الملائم من الاعتزاز المدني والتعاطف الملائم تجاه رفاقنا. هذه المعرفة لا تُنقل عبر حقائق، لكن عبر تجارب عاطفية، أي قصص. على مدار العقود الماضية قلصنا التثقيف إلى النصف. وركزنا على العقل ومهارات التفكير الحيوية، وهي جوهر الذخيرة الثانية من المعرفة. وضمرت قدرتنا على سرد قصص معقدة عن أنفسنا.

وهذا يعني القدرة على سرد قصص يمكن فيها للشخصيات المتعارضة امتلاك أجزاء من الحقيقة وقصص تسكن فيها الشخصيات الزمن في نقطة واحدة في عملية تطورها، أي قصص تضرب بجذورها في تعقيد الحياة الحقيقة وليس عقيدة التجريد الأيدولوجي. والآن، ونحن نشاهد المجالس التشريعية في الولايات تحاول تطبيق ما علمنا التاريخ وما لم يعلمنا، وفي الوقت الذي نشاهد فيه «الحزبيين» يدفعون بمقررات دراسية ذات طابع أيديولوجي، نرى المدى الذي بلغته مهاراتنا في سرد القصص التاريخية من الفحش والوحشية. ليس لائقاً قول هذا، لكن أميركا لديها أعظم قصة لتحكيها عن نفسها، إذا نضجنا لنحكيها بأمانة. والرابع من يوليو (عيد الاستقلال) وقت ملائم فيما يبدو للبداية.

*كاتب أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/07/01/opinion/patriotism-misinformation.html