أكثر من عام وأنا مثل طائر قطعت جناحاه، يدب على الأرض ولكن لا يستطيع الطيران، وكُثر أصابهم الضجر من هذا الانتظار لركوب الطائرة ثم التحليق إلى حيث تشاء، محدودة المسافات والمناطق الآن، ولا مجال أن تتمنى وتحلم بالمدينة التي تعشقها وتصل إليها متى شئت، في البعيد تظل المدن المعشوقة لكل واحد منا ولكنها تقفل أبوابها أمام العاشقين، محجورة هي وأنت تراقب الفرج، مرة جاءت هذه الحالة ولكنها علمتنا دروساً كثيرة، امسك ودك وعشقك وانتظر مع المنتظرين..
بعض المدن تسكنك، تحتل كيانك وتعن عليك كلما ابتعدت عنها، وإن حاولت أن تبحث عن البديل فقد تأتي مدن أخرى تأسرك بعض الوقت، ولكن تظل مدينتك هي الفريدة والرائعة، هي المحطة التي تشعرك بالسعادة والسرور أكثر وأجمل، تأتي الطبيعة ربما هي الأولى في العشق عند بعضهم ولكن عند الآخر، الجمال والطقس والأمان هو الأهم، بينما قد يحتل الناس وعلاقتهم بالآخر وروحهم الجميلة والودودة هي العامل الأكبر للباحثين عن الهدوء والسكون بأمان، واستغلال لحظات التأمل في كل شيء.
مدن الشرق/ شرق آسيا أروع المحطات والمدن بالنسبة ليّ بعد تجارب لمدن أخرى هنا وهناك، وحده الشرق يشعرك بأنك تعزف نشيد الحياة والفرح مع كل إشراقة شمس، أشعة الشمس هناك أوتار غيثارة تشرق باسمة وأنت عازف موسيقى للصباحات الجميلة، ليل المدينة هناك مطر يتبع خطواتك، وإيقاعات تشبه رنة خلخال حورية النهر، كل الطرق والدروب باسمة ضاحكة، كل الوجوه منيرة ومضيئة مثل قمر منتصف الشهر، استدارات الوجوه تشبه زهرة الماء، وكأن بوذا وفلسفاته وتعاليمه زرع الحب في الطرقات وعلى أوراق الشجر، مدن لا تعرف العبوس ولا كدر الوقت، الحب وحده تزرعه في كل زاوية ومحطة، تنشره في المساء نجوم تضيء المدينة وتبعثه صباحاً، وردة زاهية أين ما أخذتك قدماك، وإن أردت أن تعبر الماء/ النهر بخفة وردة طافية أو خفة ريشة، فإن المدينة تناديك بالرحيل مع أمواج النهر الصغيرة الهادئة البديعة، مدن خلقت للسعادة والجمال والفرح، لم تصلها أيادي الغاضبين من كل شيء والمحطمين لكل شيء بعد.
تغيب مدينتي التي أحب وأعشق هناك في مطلع وعين الشمس، ويظل الحلم يأتي كل يوم بأن تعود الحياة إلى طبيعتها ونحلق مثل النورس إلى هناك.. عام وأكثر ونحن نترقب الفرج أتعبتنا الأخبار اليومية التي تبعث على الكآبة، بالتأكيد سوف تندحر هذه المنغصات يوماً، وتحلق الطيور الحبيسة في دنيا الله الواسعة، عندها الكل سوف يصل مدينته التي يعشق ويحب، فالحياة لا تحتمل أن نمضيها في هذا الكدر والهم الذي يعم عالم اليوم نتيجة الخراب والحروب، ليأتي هذا المرض/ الجائحة ليزيدنا علة على علة، إننا بحاجة أن تفرج الحياة ونعيش لحظات الفرح ونعيد أيامنا الجميلة مع مدننا التي نحب.. مدن المطر والزهور والضباب سوف تعود وتعود الحياة لنا كما نحب ونشتهي.. لنضع الشمس في كف والنهر في كف، ونغني للوجود والحياة الجميلة الزاهية.