إذا تحدثنا عن الهندسة الاجتماعية أو السياسية، فهو أمر مألوف لدى المتخصصين في العلوم الاجتماعية، والنفسية، والتقنية، والسياسية، والدبلوماسية، والأمنية وفي مجال الإدارة والتغيير والتنافسية وإدارة الأعمال والتسويق وكذلك في عالم الجريمة والإرهاب، حيث يتم معرفة ودراسة وتطبيق الآليات والطرق التي يتم فيها استهداف الجهود المبذولة للتأثير وأحياناً الخداع أو الإقناع أو تغير الموقف والتوجه والمشاعر، وأثر ذلك على الموقف الفردي والمؤسسي، والشعبي وذلك بغرض هندسة السلوك الاجتماعي على نطاق واسع، سواء في القطاع العام أو الخاص، أو بصورة فردية، أو من قبل جماعات ومجموعات خاصة، ورصد التوجهات والسلوك والاهتمام الاجتماعي ومصادر ونطاق التأثير، حيث يتم تحليل وفهم النظم الاجتماعية، للوصول لمعلومات فردية عن شخص، على سبيل المثال، وسرقة بياناته أو ابتزازه أو جعله لا يفكر إلا من خلال المجموعة الواقع تحت تأثيرها، ويتخذ من الإشاعة والتشكيك المدسوس ضمن السياق العام المصدر الأول لمعلوماته.
ومن جهة أخرى، تعرف هندسة العولمة على أنها التأثير غير المتبادل على مجمل التفاعلات والتوجهات والقرارات والميول لشعوب العالم وسبل الدعم والقبول والرفض لأفكار ومفاهيم وقيم وسياسات وإستراتيجيات بعينها وتبني أيديولوجيات أو مسار أو سلوك جماعي محدد من عدمه، وذلك بهدف فرض نمط الحياة والتفكير والسلوك الذي يصنع البيئة المناسبة لمصالح دولة أو تكتل أو تحالف سياسي أو اقتصادي أو ثقافي أو الجمع بينهم، وذلك حسب الموقف والغاية والهدف والموضوع، حيث يسعى مهندس العولمة إلى تغيير سلوك الشعوب والحكومات وطريقة تصرفهم، وأسلوب تفكيرهم، من أجل الوصول إلى الهدف الذي يرنو إليه.
وتعتمد جهود هندسة العولمة على الهيمنة وتنشئة الجيل الرقمي والأساليب العلمية المتعارف عليها في تجميع البيانات، وتحليلها، والوصول إلى استنتاجات محددة والخروج بتوصيات واضحة قابلة للتنفيذ والتطبيق العلمي، ويدعم كل ذلك مبادرات ومشاريع وسياسات مالية واقتصادية ودبلوماسية وعسكرية واجتماعية بكل جوانبها الدينية، والثقافية والرياضية وغيرها من الجوانب الاجتماعية، وذلك إضافة إلى فرض السيطرة على المؤسسات الدولية الأممية وأسرار ودهاليز أحدث التطورات التقنية والمعرفية.
إذاً، هندسة العولمة هي من يقف خلف الهندسة الاجتماعية والسياسية. الصراعات والنزاعات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتحول في أنماط التفكير والسلوك المجتمعي والاضطرابات ونشاطات عدم الاستقرار بين الدول وفي الدول، لا تحدث مصادفة أو من دون تخطيط ومقدمات تمهد بدورها الأرضية الصلبة لإجراء التغيير المرغوب، والذي يخدم مصالح القوى والتكتلات الكبرى، والتي تتغير بتغير المصلحة والمستهدفات المرحلية، ولذلك أبدع مهندسو العولمة في الخداع الممنهج لسكان العالم من خلال كسب الثقة عبر عولمة سلوكيات ومفاهيم وأذواق وتوجهات تحت ما يعرف بخدعة أو حيلة الثقة والتوجه الإنساني والسلام العالمي وخطر الكوارث الطبيعية التي تسببها أمور مختلف عليها علمياً ولا يمكن إثباتها مخبرياً، ولكن جعلها حقيقة مسلمة، حتى في الوسط العلمي، بمعنى اكتساب ثقة الطرف الآخر، ثم خداعه والتحايل عليه، لجعله هو من يقوم بتنفيذ الأجندات المطلوبة دون تدخل ومن ثم الوصول إلى الشعوب واختراق أو قرصنة بياناتهم الفكرية ومسلماتهم الأخلاقية والروحية والتلاعب النفسي الممنهج، ويتبع ذلك نظام إحتيال معقد، وخداع وتكييف جماعي والذي كانت ثورة وسائل التواصل الاجتماعي حجر الأساس فيه. 
وجاءت الأزمات المالية والجائحات، وستليها الأزمات الغذائية والمائية لتكون بمثابة ضرورة لتأصيل بعض ركائز عولمة الأزمات والتأطير من خلال توجيه الناس. وأكثر ضحايا هندسة العولمة هي الثقافات والأشخاص العاطفيون، وكما يقول الفيلسوف الصيني صن تزو: «إذا كنت تعرف العدو وتعرف نفسك - فلا حاجة بك للخوف من نتائج مئة معركة.. إذا عرفت نفسك لا العدو، فكل نصر تحرزه سيقابله هزيمة تلقاها.. وإذا كنت لا تعرف نفسك أو العدو – ستنهزم في كل معركة.. وعلمك بعدوك يعرفك كيف تدافع، بينما علمك بنفسك يعرفك كيف تهاجم – والهجوم هو سر الدفاع، والدفاع هو التخطيط للهجوم».