في يوم 29 يونيو المنصرم، توفي دونالد رامسفيلد عن عمر يناهز 88 عاماً. وكانت فترة ولاية رامسفيلد لمنصب وزير الدفاع في إدارة جورج بوش الابن علامة بارزة في اليقين الصارم والمراوغة التكتيكية وهي العقيدة المزدوجة لواشنطن. لقد كان كياناً متناقضاً يضع نظارات. وكان حضوراً حاسماً ساعد في الوصول إلى نتائح غير حاسمة. في فبراير 2002، حين سئل عن الأدلة على أن صدام حسين حاول تقديم أسلحة دمار شامل لجماعات إرهابية، رد رامسفيلد بالقول: «هناك معلوم نعلمه، أي أشياء نعلم أننا نعلمها. ونعلم أيضاً أن هناك معلوماً نجهله، أي أننا نعلم أن هناك بعض الأمور التي لا نعلمها. لكن هناك مجهول نجهله، أي أشياء لا نعلم أننا لا نعلمها.
وتابع الصحفي قائلاً: «هل هذه الرابطة المزعومة بين صدام حسين والإرهابيين الآخرين» تندرج تحت فئة «ما نجهل أننا نجهله؟»، وأجاب رامسفيلد بابتسامة: «لن أقول إلى أي الفئات تنتمي». ربما كان يعلم لكن لم يتكلم. ربما لم يكن يعلم. ربما كان يعتقد أنه يعلم وهذا يكفي بالنسبة له، وإن لم يكن كافياً للبلاد التي نزفت الدماء والثروات في تدخلات كارثية في أفغانستان والعراق. 
وكان رامسفيلد من قوات البحرية ومصارع سابق. والسنوات الست تقريباً التي قضاها رامسفيلد في إدارة بوش كانت ختاماً قوياً لمشواره المهني في الخدمة العامة. فقد التحق بالخدمة العسكرية في بداية الأمر عام 1954 وعينه رونالد ريجان إلى مبعوثاً خاصاً إلى الشرق الأوسط، حيث اشتهر عنه مصافحته الودودة لصدام حسين قبل 19 عاماً من إشرافه على غزو العراق. ثم عاد رامسفيلد إلى «البنتاجون»، وهو يبلغ من العمر 68 عاماً ليحدث تحولاً في الوزارة التي تولاها لأول مرة قبل 25 عاماً، لكنه وجد البيروقراطيين يقفون في طريقه. في 22 أغسطس عام 2001، صرح رامسفيلد لواشنطن بوست أن «لا شيء ينتهي أبدا» في إشارة إلى مراقبة وتدخل الكونجرس لكنه كان يعيد إنتاج مقولة آخرى من مقولات واشنطن وهي «لا غروب يقع. وكل شيء يحدث بآوان». 
في الساعة 2.27 مساء، يوم 10 سبتمبر عام 2001، أرسل مذكرة إلى أحد المساعدين في الوزارة لم تتضمن سوى مقتبس من أقوال وينستون تشرشل وجاء فيها «لا شيء يتفوق على خبرة التعرض لإطلاق النار... وعدم الإصابة». وبعد ذلك بـ 18 ساعة و19 دقيقة كانت الرحلة 11 لشركة أميركان ايرلاينز تصطدم بالبرج الشمالي في مركز التجارة العالمي. وما تلا ذلك كان استعراضاً لا ينتهي للمعلوم والمجهول غير المعلوم، وأسلحة دمار شامل تلوح مثل شبح، وقنابل بدائية الصنع، وتعزيز مؤكد للقوات، وعمليات تمرد لا تنتهي. وكل هذا تمخض عن معلوم نعلمه وهو مقتل وجرح عشرات الآف من الأميركيين ومقتل أو تشويه مئات الآلاف من العراقيين وإنفاق تريليونات الدولارات. 

كما أنتج رامسفيلد مقولاته الخاصة به ليكتب هامشاً صوفياً على صفحات التاريخ مقلصاً الحرب والتعذيب والوقائع المروعة الأخرى إلى استفسارات صريحة وعبارات صارمة. فقد صرح رامسفيلد أن «الحرية غير مهندمة»، بعد مرور شهر على غزو العراق في وقت كانت البلاد في حالة اضطراب شديد. وكتب تحت توقيعه للموافقة على تقنيات استجواب المحتجزين والضغط عليهم في جوانتامو قائلاً: «أنا أقف ما بين 8 إلى 10 ساعات في اليوم لماذا يتم تقييد الوقوف إلى أربع ساعات في اليوم». 
وكتب يقول في واحدة من ملحوظاته التي بلغت 20 ألفاً أثناء إدارة بوش يقول: «غياب الدليل ليس دليلاً على الغياب». وهذه الملاحظات التي أُطلق عليها «حبات الثلج» بسبب كثرتها كانت تدور في أرجاء البنتاجون. بعض ملحوظاته تطلبت فحسب تعريف المعاجم لبعض المصطلحات. فقد كتب رامسفيلد بعد شهر من الحادي عشر من سبتمبر إلى مستشار في البنتاجون يقول: «من فضلك قدم لي تعريفاً جيداً للإرهاب وبعض التفصيل لما يعنيه وما لا يعنيه» المصطلح. أنه يريد معنى الشيء وما لا يدخل في معناه، والمعلوم والمجهول. الأمر يبدو كما لو أنه توجه بوذي، لكن هذا التوجه ينكشف حين نرى الطريقة التي يطبق به تشبثه بعقيدته. 
وجعل رامسفيلد عنوان مذكراته الصادرة عام 2011 «المعلوم والمجهول»، لكنه في استعادة الذكريات لم يبد أسفاً. كان ما يعلمه يتفوق على ما يجهله. وقد هاتف رامسفيلد كاتب هذا التقرير عام 2015، لأنه شعر أن جريدة»تايمز أوف لندن«نسبت الندم إليه بنقلها قولاً بطريق الخطأ جاء فيه أن بوش كان مخطئاً بشأن العراق. ومارس رامسفيلد في الهاتف يقينه ومراوغته معاً قائلاً: »ما قلته منذ البداية أن الهدف في العراق هو رحيل صدام حسين"، ونجح رامسفيلد في هذا. لكن لو كان هذا هو المعلوم الوحيد لكان محقاً. 

دان زاك
صحفي أميركي 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»