جيمس ماكولي
القوة الرئيسة التي سادت في الانتخابات كانت عدم المبالاة، حيث امتنع ما يقرب من ثلثي الفرنسيين عن الإدلاء بأصواتهم لم يكن هناك فائزون حقيقيون في الانتخابات الإقليمية الفرنسية، بل فقط خاسرون. وإذا كان هناك أي شيء على الإطلاق، فإن القوة الرئيسة التي سادت في الانتخابات كانت عدم المبالاة، حيث امتنع ما يقرب من ثلثي الفرنسيين عن الإدلاء بأصواتهم. وفي مواجهة القلق بشأن «اليمين» الصاعد، مُنيَ اليمين المتطرف نفسه بهزيمة شنيعة في الانتخابات، حتى وإنْ كان الجناح اليميني الأكثر تقليدية لا يزال موجوداً وفي وضع جيد، لكن الأهم أن النتائج كشفت عن أزمة عدم الاكتراث في واحدة من أهم الديمقراطيات في أوروبا، وهو نظام فقد الناخبون الاهتمام به في اللحظة التي لا يمكن أن تكون فيها المخاطر أكبر.هذه الأخبار مقلقة بالنسبة للرئيس إيمانويل ماكرون، الذي سيرشح نفسه لولاية ثانية في ربيع 2022 ومن المرجح أن يواجه المرشحة «اليمينية المتشددة» مارين لوبان. وربما يظهر أي عدد من المنافسين الخارجيين بين الحين والآخر؛ فقد كان ماكرون نفسه بالكاد حصاناً أسود في هذه المرحلة من الانتخابات السابقة. لأسابيع، كما هو الحال قبل كل انتخابات فرنسية تقريباً، كان هناك حديث عن أن الحزب الذي تتزعمه «لوبان»، والذي أعيد تعميده مؤخراً باسم «التجمع الوطني» يجد موطئ قدم على المستوى المحلي قبل الانتخابات الرئاسية العام المقبل. لكن هذا لم يحدث. لم يفز حزب «لوبان» بالسلطة في أي منطقة، وتعرض للإذلال حتى في المناطق المتعاطفة تقليدياً مع موقفه المتشدد المناهض للمهاجرين والأجانب. ففي منطقة «بروفينس ألب كوت دازور» اليمينية في جنوب فرنسا، خسر «تييري مارياني»، مرشح «لوبان»، أمام المرشح اليميني الأكثر توجها للتيار السائد «رينو موسيلير»، من فريق حزب «الجمهوريين». وكما هي العادة، ألقت «لوبان» باللوم على الجميع ما عدا نفسها. وقالت لمؤيديها مساء الأحد الماضي فيما أصبحت النتائج واضحة: «لن نفوز هذا المساء في أي منطقة لأن شاغلي المناصب دخلوا في تحالفات غير طبيعية وفعلوا كل ما في وسعهم لإبعادنا ومنعنا من إظهار قدرتنا على قيادة إدارة إقليمية للفرنسيين». لكن النتائج تشير أيضاً إلى أن الرئيس الحالي أمامه طريق صعب. عندما تم انتخابه في عام 2017، وعد ماكرون بـ «ثورة» في السياسة الفرنسية. كان هذا بالفعل عنوان برنامج حملته في ذلك العام، واستندت الثورة التي تعهد بها إلى تجاوز الانقسام السياسي التقليدي بين «اليمين» مقابل «اليسار». يعتقد كل من ماكرون ولوبان أن الانقسام الجديد هو بين «المؤيد للعولمة» مقابل «لمؤيد للقومية».. فاز حزب ماكرون الجديد –الذي أطلق عليه في بداية «إلى الأمام»، ثم أُعيد تسميته فيما بعد ليصبح «الجمهورية إلى الأمام» –بأغلبية ساحقة في البرلمان الفرنسي عام 2017. وقد اختار ماكرون، الذي لم يكن قد تجاوز الأربعين حينذاك، كل مشرعي الحزب. لفترة، بدا الأمر كما لو أن هناك بعض الحقيقة في هذه «الثورة». لكن سرعان ما بدأ حزب «إلى الأمام» يبدو وكأنه كتلة شائكة أكثر من كونه قوة سياسية، مزيج غير متماسك من الأعضاء الذين لم يكن لديهم الكثير من القواسم المشتركة والذين كانوا جميعا على استعداد للانخراط في قتال داخلي صغير. في نهاية المطاف، كانت خيبة أمل الجمهور في ماكرون، كما يحدث تقريباً مع كل رئيس فرنسي -حتى أولئك الذين يظهرون على غلاف مجلة تايم. تعهد الرئيس ماكرون، الذي لقي استحساناً في الخارج، بالعديد من الإصلاحات، مثل المعاشات التقاعدية وأساسيات البطالة. لم تتحقق معظم هذه الإصلاحات، ولكن جميعهاً تقريباً أدى إلى احتجاجات وإضرابات معوقة، وأبرزها احتجاجات «السترات الصفراء» في عامي 2018 و2019 -وهي حركة عنيفة ومعادية للنخبة على نحو متزايد أثارتها زيادة مقترحة في ضرائب الكربون التي أجبر ماكرون على التراجع عنها.علاوة على ذلك، دفعت سلسلة من الهجمات الإرهابية الإسلامية والحروب الثقافية المستمرة حكومة ماكرون إلى اليمين، لكن يبدو أن هذه مقامرة غير مؤكدة. يشعر اليساريون الذين دعموا ماكرون في 2017 بالخيانة. وفي غضون ذلك، يبدو أولئك الذين ينتمون إلى اليمين التقليدي، الذين قد يكونون راضين عن بعض سياسات ماكرون، مرتبكين بشأن سبب كون حزبه رهاناً أفضل من الحزب المحافظ التقليدي، الذي كانوا معه طوال الوقت. كان أداء بعض المرشحين من تلك الأحزاب جيداً بشكل خاص في الانتخابات الإقليمية؛ وقد يترشح أحدهم، وهو «كزافييه برتراند»، وهو محافظ من منطقة «أوت دو سين» في شمال فرنسا، نفسه للرئاسة. ربما لا يزال ماكرون، قادراً على الفوز في إعادة انتخابه في عام 2022 ضد «لوبان»، التي، على الرغم من أدائها الضعيف في هذه الانتخابات الإقليمية، من المرجح أن تحقق تقدماً قوياً في قصر الإليزيه. لكن المجال الآن أكثر انفتاحاً مما كان يمكن أن يكون، ويبدو أن قبضة ماكرون على السلطة أقل وضوحاً من ذي قبل. *مراسل صحيفة واشنطن بوست السابق في باريس-وحاصل على الدكتوراه في التاريخ الفرنسي من جامعة أكسفورد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس» جيمس ماكولي*