تذهب الإمارات إلى التجريب في الأدب والخوض في بحوره اللامتناهية. ولا تقف حدود للخيال لدى مبدعيها عند نهاية الأفق، بل يتم تجاوزه إلى تخطي جدار النهاية، وافتتاح الدروب لكشفٍ جديدٍ دائماً. شعرتُ بهذا المنعطف وأنا أقرأ الرواية الجميلة جداً «ربيع الغابة» للكاتب والمخرج المسرحي جمال مطر، وهو أحد الأقلام المسكونة بهواجس التجديد من حيث انتهى الآخرون، لا من حيث الجري على منوال التقليد والمجاراة والتماهي مع المنجز والجاهز. وأستطيع أن أقول بجرأة تامة: إن هذه التجربة التي يقدمها جمال مطر في هذه الرواية تبتكر نوعاً جديداً لم يتطرق إليه أحد على المستوى العربي وهي «الرواية الكرتونية». وهذا مصطلح غير موجود عربياً. في الغرب، يعتمد هذا النوع من الأدب على الرسوم التوضيحية فيما يسمى «الكوميكس» الشائع الذي تُخصص له المجلات المرسومة، وهو بدوره يغذي الكثير من أفلام الرسوم التي أبهرت العالم، كباراً وصغاراً.
يذهب جمال مطر في «ربيع الغابة» إلى بناء قصة تدور على ألسنة الحيوانات، ولكنها تحققُ شرط الرواية أولاً؛ من حيث البنية والحبكة والسرد والحوار. ولكن من يقرأ هذا العمل لا يستطيع أن يتعامل مع مفهوم الرواية بشكلها التقليدي، بل تستدعي ذاكرته أفلام الكرتون الخاصة بالحيوانات التي شاعت في العالم، وتحديداً فيلم «الملك الأسد» الذي قدمته شركة «ديزني» وأبهر العالم من أقصاه إلى أقصاه. ولا يملك القارئ وهو يبحرُ في قصة الرواية إلا أن يشعر بأنه يشاهد فيلماً كرتونياً في شكل رواية، أو بضرورة أن تتحول هذه الرواية إلى فيلم. ولأول مرة أشعر بأن الكاتب يحرّك الشخصيات بذكاءٍ شديدٍ في حواراتها وتقلّب الأحداث والصراعات من حولها ولكن بشكل كرتوني.
نحن إذن أمام ظاهرة نوعية جديدة من الأدب الذي يجنح إلى العالمية عن طريق توظيف خبرات المشاهدة البصرية وتراكماتها. بعد أن انتهيت من الرواية، قلت لجمال مطر: هذا هو الجزء الثالث من فيلم «الملك الأسد»، ثم عندما نوقشت الرواية في صالون «الملتقى الأدبي»، سمعت الرأي نفسه من كثيرين بأن هذه الرواية يجب أن ترسل إلى شركة «ديزني» لتصير فيلماً. وارتفعت أحلامي بأن تتبنى الدولة هذا العمل وتدعمه معنوياً وفنياً.
بقي أن أشير إلى أن الرواية مليئة بالإسقاطات الفلسفية.