خرج النظام المالي الأميركي من الإصلاحات التي أعقبت أزمة 2008 العالمية أقوى مما كان عليه. لكن بداية الجائحة في مارس 2020 أظهرت كمّ الأشياء التي لم تنجز: فعلى الرغم من أن البنوك صمدت في وجه العاصفة جيداً، إلا أن الاضطرابات المالية في أماكن أخرى، خاصة في صناديق أسواق المال وفي «سوق الخزانة» مثلاً، تطلبت تدابير استثنائية من أجل تفادي كارثة اقتصادية أكبر. 
«فريق الاستقرار المالي»، الذي نترأسه معاً، أفرج للتو عن تقرير حول السبل الكفيلة بجعل النظام أكثر قوةً ومرونةً. ومن بين أشياء أخرى، خلصنا إلى الحاجة إلى تغيير بنيوي: إصلاح للوكالات المكلفة بتحديد التهديدات خارج البنوك التقليدية ومعالجتها. 
وقد خلق إصلاح «تود-فرانك» المالي لعام 2010 كيانين جديدين يركزان على المخاطر النظامية. وكان من المفترض أن يعزّز «مجلسُ الإشراف على الاستقرار المالي»، الذي ضمّ وزير الخزانة ورؤساء كل وكالات الرقابة المالية الرئيسية، التعاونَ في إيجاد تراكمات خطيرة، حيثما قد تظهر، ومعالجتها. كما كان من المفترض أن يوفّر «مكتبُ البحث المالي»، الذي شُكّل داخل وزارة الخزانة ومُنح صلاحية الاستدعاء، أن يزوّد «مجلس الإشراف على الاستقرار المالي» بالبيانات والتحليلات اللازمة للقيام بالمهمة على نحو جيد. 
غير أن نظام الاستشعار المبكر المالي هذا لم يعمل مثلما كان مخططاً له، حيث اصطدمت جهود «مجلس الإشراف على الاستقرار المالي» الرامية لفرض تدقيق خاص على بعض المؤسسات غير البنكية المهمة في النظام، مثل شركات التأمين، بجملة من العراقيل السياسية والقانونية. كما أبدت الوكالات الأعضاء فيه، في أحيان كثيرة، رفضها «التعدي» على اختصاصات بعضها البعض، وعلاوة على ذلك، كان «مجلس الإشراف على الاستقرار المالي» يفتقر إلى السلطة لفرض التدابير التي يتخذها. ومن جهة أخرى، لم يقم «مكتب البحث المالي» باستدعاء أي أحد، خشية صنع أعداء. وفي نهاية المطاف، قلّلت إدارة ترامب التركيز على الجهاز بأكمله وأوقفت تمويله.
ونتيجة لذلك، كانت الولايات المتحدة أقل استعداداً للتعاطي مع صدمة الجائحة، مما كان يمكن أن تكون عليه. فتسبب التهافتُ على السيولة في ضغط هائل على بعض صناديق الاستثمار في سوق المال، وشكّل تهديداً بالنسبة لتدفق الائتمان على الجميع، من مشتري المنازل إلى البلديات، وتسبب في انخفاض حاد في أسعار سندات الخزانة. وتبعاً لذلك، اضطرت وزارة الخزانة والاحتياطي الفدرالي لبذل جهود استثنائية والتعهد بتريليونات الدولارات من أجل استعادة الاستقرار. 
والحال أن هدف الجهات الرقابية لا ينبغي أن يقتصر على إخماد الحرائق، حين ترى دخاناً فحسب، وإنما تفادي التراكم الخطير للمواد القابلة للاشتعال. والأكيد أن تهديدات جديدة ستظهر بطريق غير متوقعة، والحلول ستؤدي إلى ردود غير متوقعة. وبالتالي، يجب أن يكون التنظيم والتقنين ديناميكياً ويتطلب عملية تقييم متواصلة، وليس تغييرات دورية فقط. ولمواجهة هذا التحدي، ندعو إلى إعادة هيكلة لـ«مجلس الإشراف على الاستقرار المالي» و«مكتب البحث المالي». 
-إذ ينبغي على الكونجرس أن يمنح كل وكالة عضو في «مجلس الإشراف على الاستقرار المالي» مهمةً صريحةً في الاستقرار المالي، ويطلب من كل واحدة منها إنشاء مكتب له تركيز مماثل للتأثير في عملية صنع القرار. وهذا من شأنه إرغام الوكالات على الأخذ بعين الاعتبار مشاكل المخاطر النظامية التي يمكن أن تهملها في كثير من الأحيان.
-وينبغي لوزير الخزانة وحده أن يُصدر التقرير السنوي لـ«مجلس الإشراف على الاستقرار المالي»، وتفادي عملية بناء الإجماع بين الوكالات الأعضاء، والتي يمكن أن تُضعف تحديد المخاطر والمحاسبة للتعامل معها. ولئن كانت كل وكالة ستكتب ملحقاً منفصلاً، فإن الوزير يتحمل المسؤولية النهاية. وينبغي أن يشمل التقرير تقييماً للمخاطر التي تم تفاديها، ولماذا، وكيف ستتم معالجتها؟
-وينبغي لـ«مكتب البحث المالي» أن يتلقى مهمة جديدة وواضحة لجمع البيانات التي يحتاجها صناع السياسات (والتي يفتقرون إليها في كثير من الأحيان اليوم). وللتشديد على أهميته، ينبغي أن يسمى «المراقب المالي للبيانات والمرونة»، على شاكلة «المراقب المالي للعملة»، وينبغي أن يكون لرئيسه مقعد مع الحق في التصويت في «مجلس الإشراف على الاستقرار المالي»، وهو مستوى من السلطة من شأنه مساعدة الحكومة على توظيف أصحاب المواهب والخبرات في المنصب. 
وختاماً، إذا كان الوباء قد شرع في الانحسار والتراجع، فإن القلق بشأن الاستقرار المالي ينبغي ألا يتراجع. ذلك أننا لا نعرف الصدمة الكبيرة التالية التي ستضرب الاقتصاد والنظام المالي مستقبلاً. ولهذا، فإن عمليةً لاستشراف المخاطر والتكيف معها ينبغي أن تتصدر الجهود وتستأثر بالقدر الأكبر من الاهتمام والتركيز. 

جْلِن هوبارد*
عميد فخري وأستاذ التمويل والاقتصاد في كلية كولومبيا للأعمال

دونالد كون*
زميل «مؤسسة بروكينجز» في واشنطن ونائب سابق لرئيس «مجلس محافظي الاحتياطي الفدرالي» الأميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»