في الأردن وتحديداً في عام 1990، خاض «الإخوان» معركة الانتخابات النيابية بشعار «العودة إلى الإسلام»، وكانت لافتات الشعار في كل زاوية وطريق وحي وسور في كل مدينة، ونجح «الإخوان» واكتسحوا أغلبية مجلس النواب العائد للمشهد المؤسساتي الدستوري، وبعد نهاية المعركة وانتصار الإخوان، اجتمع الملك الراحل حسين بن طلال بقيادات وأركان الدولة بما فيهم قيادات الناجحين من تيار «الإخوان» في ديوانه الملكي، وفاجأهم في اللقاء المتلفز حينها بقوله إنه شخصياً ضد فكرة «العودة إلى الإسلام»، وأمام دهشة الجميع وقيادات «الإخوان»، استطرد الملك الراحل بذكاء قوله: إنه مع التقدم إلى الإسلام، فالعودة إلى الإسلام تعني أنه في الخلف، والأجدى أن نتقدم لا أن نعود!
تلك الحادثة لم تكن منافسة بلاغية مع الملك «الذي لم تكن تنقصه البلاغة أبداً»، لكنها كانت مناورة لكشف جوهر التيار القائم على ضجيج الشعارات البراقة واللفظية أكثر من استناده على برامج حكم عملية وواقعية. وفعلا، أمر الملك رئيس حكومته المكلف بعد الانتخابات السيد مضر بدران بتشكيل حكومة يشارك بها «الإخوان»، وكان ذلك، فانتهينا إلى حكومة فيها وزراء من «الإخوان»، كان التغيير الوحيد الذي قام به بعضهم «وهم قيادات» أنهم خففوا من اللحية، وتأنقوا بملابس وبذلات حديثة، وزادوا مساحة مصليات الوزارة.
طبعا، القياس على تلك المرحلة ليس صواباً، فتلك مرحلة كانت الظروف الإقليمية والدولية فيها مختلفة عن اليوم.
اليوم، فإن ما يسمى بـ«التنظيم الدولي للإخوان» تنظيم ثري، بل مترف التمويل حد إمكانية تسليح جيش وتحريك خرافي لمؤسسات وأدوات إعلامية قادرة على خلق أزمات، وهذا يجعل أوامر قيادات التنظيم أو مرشده لأي تيار في أي جغرافيا محلية خطراً حقيقياً على الأمن، ومواجهة حتمية مع الدولة.
قوة التيار «الإخواني» تكمن في «المظلومية»، التي يتقن لعبتها التنظيم منذ نشأته (تماما كما أتقنها «حزب الله» في لبنان قبل تمكنه من رقاب الناس فصارت مظلوميتهم اليوم الحزب نفسه).
المظلومية هنا مظلومية القهر الناشئ عن الفقر وفشل التنمية والإخفاق الاقتصادي المستمر بالموازاة مع فساد مفضوح وعلني في عالمنا العربي.
والمظلومية تجد مساحات خصوبة في أرض يغيب فيها القانون كسيد على الجميع، ويفقد الدستور احترامه. 
هذه مظلومية يوظفها بخبث واقتدار ماكر التيار «الإخواني» لترويج نفسه بديلاً وبلا برنامج عملي واضح، لكنه قادر على أن يملأ كل تلك الفراغات السياسية، ومشرقنا البائس بمجمله بعد «الربيع العربي»، الأكثر بؤساً ليس أكثر من غربال واسع من الفراغات السياسية، تنظيم «الإخوان» بكل فقاعاته الهوائية قادر على ملئها بسهولة.
التيار «الإخواني» حشو فارغ مغلف بالشعارات اللامعة والبراقة، والشعارات ليست أكثر من لغو ومن السذاجة الاعتقاد أنه يمكن إدارة سياسة الدول بالشعارات واليافطات والبلاغة اللغوية.
ما نحتاجه في العالم العربي خطط تنموية حقيقية وشفافية إدارية تمنع الفساد فتقضي على الفقر والقهر، المنافذ التي يدخل منها الظلاميون بشعاراتهم البراقة ووعودهم المزيفة عن الجنة.
كل ما نحتاجه أن نجعل الأوطان تشبه الجنة لمواطنيها ليسقط الحشو ويذهب الزبد «الإخواني» إلى جفائه.