منذ بزوغ فجر التاريخ ومنذ بداية خلق البشرية، واجهت الحضارات الإنسانية، باختلاف عصورها وتعدد دياناتها وتباين انتماءاتها وأعراقها، «حركات متطرفة» دينية كانت أم اجتماعية أم سياسية، أسفرت عن احتراب واقتتال ودمار لهذه الحضارات وانهيار لقيمها الثقافية.
وفي المنطقة العربية، لم يكن الحال استثناءً، بل إن كل ما صنعه العرب من علم وثقافة واكتشافات علمية وطبية في حقب مختلفة، قابلته في ذات الحقب وبعدها حركات هدم وحروب ودمار تحت شعارات ومسميات دينية وأممية. وفي عصرنا الحديث برزت عدة جماعات مسلحة وتنظيمات إرهابية موغلة في الإجرام والدمار مثل «القاعدة» و«داعش» و«بوكو حرام»، وبالطبع التنظيم الإخواني الذي خرجت جل هذه الجماعات من عباءته. وهنا يبرز السؤال: هل للإرهاب مصدر وعقيدة؟ والأهم: هل يقتصر على منطقة دون أخرى أو دين دون آخر؟
الجواب هو أن الإرهاب يتغذى دوماً في بيئات التطرف، ولا يقتصر على دين أو مذهب أو قطر. فالتطرف بمعناه الأشمل يعني تبني النسخة المتشددة من أيديولوجية أو مبدأ ما، 
والإرهاب هو التطبيق الفعلي لهذا التطرف بالعنف أو الاعتداء المسلح أو الحروب.. حسب مواءمة البيئة وتوفر أدوات العنف ومحركاته. لذلك فالتطرف هو الخروج عن المألوف بتطرف يميني أو يساري.
والإرهاب والتطرف ليسا ظاهرتين منفصلتين بل هما سبب ونتيجة، أو بتعبير أدق «ثقافة العنف وممارسته». فالإرهاب هو الناتج النهائي لعمليات كثيرة تبدأ بالنزوع إلى التشدد والتطرف وتنتهي بالعمل العنفي. فجميع أنماط السلوك الاجتماعي، بما فيها السلوك الإرهابي، لابد لازدهارها من مظلة فكرية ثقافية واجتماعية، أي بيئة ممهدة تغذي هذا السلوك ليصبح عنفاً واقعاً. وهنا لا بد من مستهدفين للانتقال إلى مرحلة تطبيق الأفكار باستراتيجية محددة تستهدف أقرب الفئات استعداداً وتأثراً بثقافة الإرهاب، وهم -في الغالب- فئة الشباب، كما شهدنا وشهدت المنطقة خلال السنوات الماضية في خضم ما سمي «الربيع العربي».
لا يمكن الفصل بين تطرف الرأي الديني وتطرف الفعل العنيف، خصوصاً في البيئات التي تزدهر فيها الأفكار والجماعات الأصولية. فراديكالية الأفكار تتحول بالضرورة إلى مرادف للإرهاب حين تتوافر المحفزات والأدوات التي تنشط تلك الأفكار، والتي هي في الأساس أفكار موغلة في التشدد. فمثلاً حين تتماهى فكرة التكفير مع ما يتوجب عمله إزاء «الكافر» و«المرتد» حسب مراجع التشدد وأدبيات المتطرفين، فحتماً لن تكون النتيجة سلمية بأي شكل من الأشكال.
وبالطبع فالتطرف لا يقتصر على سلوك بعينه، ولكننا الآن في مرحلة تفرض مواجهة التطرف الديني بكل أشكاله، فهو الخطر القائم في ظل انتشار الجماعات والتنظيمات الإرهابية الحالية، بالإضافة إلى أن تهذيب مصادر تراثنا بات ضرورة حتمية لمجتمعات آمنة. فالتصنيم والتقديس لمصادر ورموز كانت نتاج صراعات وأيديولوجيات أزمنة وعصور غابرة، لن تصنع اليومَ مجتمعات ذات آفاق منفتحة على ثقافات العالم ومتماهية مع مجتمعاته المختلفة. 
لذلك يتعين نبذ كل بواعث التطرف بأنواعه، من كراهية وعنصرية ورفض للآخر (بدينه أو عرقه أو لونه)، والعمل على غرس وتعزيز كل القيم الإنسانية السامية، كالاعتدال وقبول الآخر والتعايش والتسامح والوسطية.. باعتبار أن هذه المنظومة القيمية هي الحصن الرئيسي وحائط الصد الأساسي في مواجهة الأفكار المتطرفة التي تتربص بالمجتمعات وتقوض الأوطان.
إن للإرهاب مقومات عقدية موغلة في الراديكالية، لا تقتصرعلى دين واحد أو سلوك بمفرده أو مجتمع بذاته أو منطقة دون أخرى.. لكن للإرهاب عقيدة راسخة، ألا وهي «التطرف» بكل أشكاله!