القرار الآخر لمجموعة السبع الذي وعدنا في المقالة السابقة بالتطرق إليه، والذي مرّ مرور الكرام رغم أهميته القصوى وتداعياته على اقتصادات الدول، وبالأخص منخفضة الضرائب أو ما يسمى بـ«الجنات الضريبية»، يتعلق بتوصل مجموعة السبع في قمتها إلى اتفاقية تقضي بفرض ضريبة دنيا بنسبة 15 بالمئة على أرباح الشركات «corporate tax» وتوزيع العائدات الضريبية بشكل أفضل للشركات متعددة الجنسيات، حيث وصفه وزير المال البريطاني بأنه «اتفاق تاريخي»، في حين رحبت ألمانيا «بالنبأ السار للعدالة والتضامن الضريبي».
هذا القرار سيُطرح على وزراء مال دول مجموعة العشرين لإقراره بصورة نهائية في شهر يوليو الجاري، وفي حالة تبنّيه بصورة نهائية، فإنه ستكون له تداعيات مهمة على السياسات الضريبية للدول وعلى الاقتصاد الدولي ككل، علماً بأن هناك جوانب إيجابية وأخرى سلبية لا بد من تحديدها من قبل كل دولة بصورة منفصلة من خلال دراسات، ليس بهدف تبنيها من عدمه، فالتنفيذ سيكون ملزِماً للجميع لتجنّب العقوبات، وإنما بهدف الاستعداد، سواء للاستفادة من هذا القرار أو لتفادي السلبيات التي قد تنجم عن تطبيقه.
الجانب الإيجابي يتمثل في أنه يستهدف أيضاً شركات التكنولوجيا العملاقة، علماً بأن معظم هذه الشركات أميركية وهي تحاول تجنّب دفع ضرائب أو أنها تقوم بدفع ضرائب متدنية، وذلك رغم الأرباح الخيالية التي تجنيها من مختلف الدول، حيث لوحظ انتقال بعض هذه الشركات إلى «الجنات الضريبية»، أي الدول منخفضة الضرائب، وهو ما أدى الى تغير في مواقف واشنطن التي كانت تعارض هذا التوجه رغم الإلحاح الأوروبي. كما أن هناك جانباً إيجابياً آخر لهذا القرار، وهو أن هذه الضريبة ستساعد على تحسن الأوضاع المالية لبعض الدول، حيث ستدر دخلاً إضافياً لموازناتها العامة.
أما الجوانب السلبية فستطال الدول منخفضة الضريبة بصورة أساسية، والتي انتعشت اقتصاداتها في العقود الماضية بعد تحولها إلى مراكز استقطاب للشركات التجارية والمالية والمصرفية العالمية، لغياب أو انخفاض الضرائب لديها، بما في ذلك بعض البلدان الأوروبية، حيث صرّح وزير المالية الأيرلندي، باسكال دونوهو، بـ«أن أيرلندا تأمل في التوصل إلى اتفاق يعترف بدور المنافسة الضريبية المشروعة للاقتصادات الصغيرة والمتوسطة الحجم»، إذ من المعروف أن اقتصاد أيرلندا ازدهر في السنوات الماضية بفضل الضرائب المنخفضة، مما يعني أن هذا القرار سيشكل تحدياً لها. أما الجانب الآخر لهذا التطور في العلاقات الدولية فيكمن في أن التفاوت في نسب الضرائب سيتقلص، إلا أنه لن يزول تماماً، بدليل أن المقترح الأميركي الأصلي دعا إلى فرض ضرائب دنيا بنسبة 21 بالمئة. 
وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، فرغم أنها استفادت من انخفاض أو غياب الضرائب خلال العقود الماضية، بما في ذلك الضرائب على الشركات، الأمر الذي ساهم في تحويلها إلى مركز استقطاب لرؤوس الأموال الأجنبية، إلا أن تغير الظروف الخاصة بالثروة النفطية والتراجع المتوقع لحصة النفط في ميزان الطاقة العالمي، والذي سيؤثر على أسعار وعائدات النفط، سيؤدي إلى استفادة دول المجلس من هذا القرار، خصوصاً وأنها سنّت خلال السنوات الخمس الماضية ضرائب جديدة ضمن عملية إصلاح شاملة للمالية العامة لدعم تنوع الدخل استعداداً للمرحلة القادمة.
وهناك حقيقة أخرى لهذا التطور الدولي تكمن في أنه قد لا يتوقف عند هذا المستوى، فالعديد من المفكرين والسياسيين، مثل البرت اينشتاين والمهاتما غاندي وونستون تشرتشل، سبق وأن طالبوا بتأسيس حكومة عالمية فيدرالية تدير شؤون العالم وتفرض الأنظمة والقوانين الشاملة، فهل تشكل هذه الضريبة العالمية بداية لهذه المرحلة؟ ربما، إلا أنه من الصعوبة بمكان لمجموعة السبع وحدَها فرضَ هذا التوجه، لذلك رفع مقترح الضريبة لمجموعة العشرين والتي ستكسب هذا التوجه قوةً لا تمكن مقاومتها. فبالإضافة إلى مجموعة السبع ستنضم الصين وروسيا والهند والسعودية والبرازيل.. بقوتهم الاقتصادية وموقعهم المؤثر في الاقتصاد العالمي.