تعتبر الولايات المتحدة عادةً أمة المتفائلين بالتكنولوجيا. لكن في الوقت الذي أصبح فيه العالم على وشك ازدهار إنتاجي مدعوم بالتكنولوجيا، أصبح لدى الأميركيين تصور متعنت تجاه مسيرة التقدم. فهناك مخاوف من ألا يشترك الجميع في المكاسب، وهذا يقود إلى مقاومة تهدد بعرقلة البلاد عن التقدم. وإعادة اكتساب التوجهات المتفائلة الماضية تتطلب تغيرات سياسية شاملة وليس مجرد الكلام.
وقد يظن المرء أن الآن هو الوقت الذي يتعين فيه على الأميركيين الاتحاد في الإشادة بالتكنولوجيا. فعلى كل حال، توشك لقاحات «الحمض النووي الريبوزي»، أو mRNA المبتكرة أن تنقذ الأمة من أكبر جائحة منذ قرن وتطلق سراح الناس لاستئناف حياتهم الطبيعية. وفي المستقبل، ربما تُستخدم التقنيات نفسها في القضاء على مرض السرطان. كما أن ازدهار الابتكار في الطاقة الشمسية والبطاريات يعد بتقليص جذري في تكلفة تفادي تغير المناخ. فبعد عشر سنوات، ربما يزود هذا التقدم البلاد بطاقة رخيصة مما قد يطلق شرارة ازدهار إنتاجي جديد. وتقنيات العمل عن بُعد ستسمح لعددٍ كبير من الأشخاص بحياة أكبر مرونة بكثير. وهناك تكنولوجيات ناشئة أخرى، مثل اللحوم المنتجة في المعامل، والذكاء الاصطناعي، والبيولوجيا الاصطناعية وبيولوجيا «كريسبر» (التكرارات العنقودية المتناظرة القصيرة منتظمة التباعد Crispr، تقدم وعوداً بعجائب أكبر في المستقبل القريب. 
ومازال هناك عدد كبير من الأميركيين المتفائلين تكنولوجياً بدرجات مختلفة. ولطالما أشير إلى التكنولوجيا باعتبارها من العوامل المهمة في تحسين نوعية الحياة على مدار نصف القرن الماضي. لكن في السنوات القليلة الماضية، تقلص هذا التفاؤل تدريجياً فيما يبدو وحل محله الشكوك والمخاوف. وبدلاً من احتفال البلاد بالتصدي لـ«كوفيد-19» كما فعلنا مع لقاح شلل الأطفال قبل عقود، صنع الأميركيون من اللقاح حرباً ثقافية ويرفض كثيرون منهم التحصين. ومازالت «أمازون.كوم» و«جوجل» تحظيان بقبول بصفة عامة، لكن معدلات التأييد لهما انخفضت كثيراً، رغم أنهما ساعدتا معظم الأميركيين في تذليل مصاعب «الجائحة»، بل إن هذا التشاؤوم واضح في عالم الفن، فلا يكلف الفنانون أنفسهم، إلا قلة منهم، مشقة طرح رؤية مستقبلية إيجابية كما فعلوا في خمسينيات القرن الماضي. 
لكن التكنولوجيا التي يخشاها الأميركيون أكثر من غيرها هي الذكاء الاصطناعي. فكل استخدام متوقع للآلات الذكية لا يُنظر إليه باعتباره وسيلة لتعزيز الكفاءة وخلق فرص عمل أعلى أجراً، بل أداة لتفاقم عدم المساواة. وطالب سياسيون بارزون، مثل رئيس بلدية مدينة نيويورك السابق بيل ديبلاسيو إلى فرض ضرائب على الروبوتات، وحتى بيل جيتس مؤسس شركة مايكروسوفت انضم إلى هذه القافلة. وهذا التشاؤم التقني يهدد فعلياً الاقتصاد الأميركي. والبلاد تفقد بسرعة حصة من السوق في الصادرات المصنعة المتقدمة تكنولوجياً. وكي تواكب الولايات المتحدة التقدم، لا يمكنها الاعتماد على ميزة العمالة الرخيصة، بل يتعين عليها اللجوء إلى الآلات. والنخب السياسية والاقتصادية في دول غنية أخرى تستوعب هذا. ورغم أن عامة سكان هذه الدول تخاف من فقد الوظائف، اعتمد عدد من هذه الدول على الروبوت في التصنيع على نطاق أوسع بكثير من الولايات المتحدة. 
والصين لم تنهمك بعد في الاهتمام بالربوت لكنها تحاول. وبعض موانئها كاملة الآلية مما يسمح لها بأن تتفوق سريعاً على موانئ أميركا عتيقة الطراز. وتقاوم نقابات «لونجشور» للعمال التكنولوجيا الجديدة خوفاً على الوظائف. لكن استخدام الآلات الذكية هو سباق لا تتحمل أميركا مغبة خسارته. والأمر لا يتعلق بالسباق فحسب الذي نتخلف فيه. ففي سان فرانسيسكو، وهي بؤرة أزمة الإسكان في البلاد، عارضت النقابات استخدام تكنولوجيا بناء المساكن بالنماذج المتكررة التي تعد بتقليص تكلفة البناء باهظة الارتفاع. 
والمخاوف من اللقاحات ومن الآلات الذكية ومن تكنولوجيا التشييد الحديثة، تعرقل التقدم وتهدد بتقليص تنافسية أميركا وبخلق عجز في بضائع حيوية. وإذا كان للولايات المتحدة أن تستفيد من مزية الانتعاش الصاعد للتكنولوجيا في العقد الحالي، يتعين عليها التخلص من هذه المخاوف، واستعادة روح التفاؤل بالتكنولوجيا التي كانت سائدة في في منتصف القرن العشرين. لكن كيف تقوم بهذا؟ يتعين على الأميركيين القيام بأمرين على الأقل ليشعروا بالثقة تجاه قدرة التكنولوجيا على تحسين حياتهم. 
الأول، توفير الأمن. فمع تأمين صحي قومي ومساعدة في العثور على فرص عمل، سيصبح الأميركيون أقل قلقاً بشأن تغيير الوظائف. وهذا يسمح لهم بالنظر إلى استخدام الآلات باعتباره فرصة وليس تهديداً. 
والثاني، يحتاج الأميركيون إلى توزيع الثروة على نطاق أوسع بين السكان. فعدم المساواة يعني أيضاً أن كثيرين من الناس لا يشعرون بأنه سيكون بوسعهم الاستمتاع بنصيب مما تحققه التكنولوجيا. ولذا فلكي نجعل الأميركيين العاديين يقبلون على المستقبل يتعين علينا إعطاؤهم نصيباً أكبر منه. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»