قلّص مصنّعو السيارات الإنتاج. وأصبح من الصعب العثور على وحدات «بلاي ستايشن» في المتاجر. وواجه مزودو إنترنت النطاق العريض تأخرات طويلة بخصوص أجهزة توجيه «الإنترنت». كل هذه الظواهر - وغيرها كثير- كان لها سبب واحد، ألا وهو نقص مفاجئ ومتزايد في أشباه الموصلات. هذه الأخيرة، التي تُعرف أيضاً بـ«الدوائر المدمجة»، وتعرف أكثر بين الجمهور الواسع بـ«الرقائق»، قد تكون المنتوج الأصغر والأكثر تطلباً الذي يُصنع على الصعيد العالمي. وقد غذّى تضافر عاملي التكلفة والصعوبة في إنتاجهما اعتماداً عالمياً على مركزين آسيويين رئيسيين هما شركة «تايوان سوميكونداكتر مانيوفاكترينغ كو»، أو «تي إس إم سي» اختصاراً، و«سامسونغ إيليكترونيكس كو». الكورية الجنوبية. وقد برز هذا الاعتماد أكثر في 2020 عندما أدى وباء «كوفيد - 19» وازياد التوتر الأميركي- الصيني إلى ندرة الرقائق. ولهذا، فإن مئات المليارات من الدولارات ستنفق خلال السنوات المقبلة في سباق عالمي على توسيع الإنتاج، مع ما ينطوي عليه ذلك من تداعيات جيوسياسية واقتصادية. 
لماذا هناك نقص في الرقائق؟
- فترة الحجر المنزلي: هذا الأمر رفع الطلب على الرقائق إلى ما فوق المستويات التي كانت متوقعة قبل الوباء. إذ أدّت الإغلاقات إلى ارتفاع في مبيعات الحواسيب المحمولة إلى أعلى مستوى لها منذ عقد من الزمن. كما شهدت أجهزة ومعدات الشبكات المنزلية وكاميرا الويب وشاشات الحاسوب إقبالاً كبيراً بسبب انتقال الأعمال المكتبية من المكتب إلى البيت، وارتفعت مبيعات الحواسيب المحمولة جراء إغلاق المدارس. كما قفزت مبيعات الأجهزة المنزلية، من أجهزة التلفاز إلى أجهزة تنقية الهواء، وجميعها أجهزة تكون مزودة برقائق إلكترونية.
- تقلب التنبؤات: قلّل صانعو السيارات الذين خفضوا إنتاجهم بشكل جذري في وقت مبكر من «الجائحة» من شأن سرعة عودة مبيعات السيارات لوتيرتها السابقة. وسارعوا إلى زيادة الطلبيات من جديد في أواخر 2020، ولكن طلبياتهم رُفضت لأن مصنعي الرقائق كانوا منشغلين ومنهمكين لأقصى الحدود لتزويد عمالقة الحواسيب والهواتف الذكية مثل شركة «آبل إنك».
- التخزين والتكديس: بدأ مصنعو الحواسيب يحذّرون من نقص الإمدادات في وقت مبكر من 2020. وفي حوالي منتصف العام، بدأت شركة «هواوي تكنولوجيز كو» - وهي مصنّع صيني للهواتف الذكية يهيمن أيضاً على السوق العالمية لمعدات شبكة الجيل الخامس - تكوين مخزون من أجل ضمان قدرتها على البقاء والاستمرار في وجه العقوبات الأميركية التي تعرضت لها والرامية إلى عزلها عن مورّديها الرئيسيين. وحذت حذوها شركات أخرى، على أمل الحصول على حصة من «هواوي»، فارتفعت واردات الصين من الرقائق إلى قرابة 380 مليار دولار في 2020، مقارنة مع 330 مليار دولار في السنة التي قبلها. 
- الكوارث: أدت موجة البرد الشديد التي ضربت ولاية تكساس في فبراير الماضي إلى انقطاع الكهرباء، ما أدى إلى إغلاق مصانع أشباه الموصلات الموجودة في منطقة أوستن، ولم تعد منشآت «سامسونج» هناك إلى وتيرة الإنتاج العادية إلا في أواخر شهر مارس. وعلاوة على ذلك، اندلع في مارس الماضي حريقٌ في مصنع باليابان تعود ملكيته إلى شركة «رينيساس إيليكترونيكس كورب»، التي تعتبر مورّداً كبيراً لرقائق السيارات، وتكبّد المصنع أضراراً جراء ذلك، ما أدى إلى اضطراب في الإنتاج لأشهر. 
من تأثر بنقص الرقائق؟ 
من المتوقع أن يؤدي نقص الرقائق إلى خسارة ما يعادل 110 مليارات دولار من المبيعات بالنسبة لصانعي السيارات هذا العام، في ظل خسارة إنتاج 3.9 مليون مركبة، أو نحو 4.6 في المئة من الإجمالي المتوقع. وفي هذا الإطار، غرّد إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة «تيسلا »، على «تويتر» قائلاً: «لم يسبق لي أن رأيتُ شيئاً مثل هذا من قبل». ومن جهتها، حذّرت شركة (سامسونغ) في مارس الماضي من أنها ترى (اختلالاً خطيراً) في العرض والطلب على الصعيد العالمي. كما توقعت شركة «تي إس إم سي» في أبريل الماضي إمكانية أن يمتد النقص إلى 2022. وفي أوروبا، واجه مزودو إنترنت النطاق العريض تأخراً تجاوز العام لدى تقديمهم طلبيات أجهزة توجيه الإنترنت. وفي الأثناء، أعلنت شركة «آبل» أن مشاكل العرض تؤثّر على مبيعات أجهزة «آيباد» و«ماك»، والتي قالت، إن من شأنها أن تؤدي إلى فقدان 3 مليارات إلى 4 مليارات من عائدات ربعها الثالث. ومن جانبها، قالت شركة «نينتندو كو.» في مايو، إن النقص يؤدي إلى تباطؤ إنتاج جهاز «سويتش» لألعاب الفيديو الذي تنتجه. 
ما هي الرقاقة؟
إنها الشيء الذي يجعل المواد الإلكترونية ذكية. وتؤدي الرقاقة، التي تُصنع من مادة موصلة، مثل السيليكون في الغالب، مجموعةً متعددةً من الأدوار. فرقائق الذاكرة، التي تخزّن البيانات، بسيطة نسبياً وقد أصبحت سلعة رخيصة. أما «رقائق المنطق»، التي تدير البرامج وتُعد بمثابة الدماغ بالنسبة للجهاز، فهي أكثر تعقيداً وأغلى ثمناً. وعادة ما تحمل أسماء، مثل «آبل» أو «كوالكوم» أو إنفيديا، ولكن هذه الشركات ليست سوى مصمّمة لأشباه الموصلات في الواقع، وهذه الأخيرة تصنع في مصانع تدعى المسابك. 
لماذا تُعد المنافسة صعبة للغاية؟
ويُعد صنع رقائق المنطق المتطورة عمليةً ضخمةً ومعقدةً، ويتطلب قدراً عالياً من الدقة، إضافة إلى رهانات كبيرة وطويلة المدى في مجال يشهد تحولات سريعة. كما أن المصانع التي تصنّعها يكلّف بناؤها وتجهيزها مليارات الدولارات، وينبغي أن تشتغل على مدار اليوم والأسبوع دون توقف من أجل استعادة الاستثمار. ولكن الأمر لا يقتصر على هذا فحسب، ذلك أن المسبك يستهلك كميات هائلة من الماء والكهرباء، كما أنه شديد الحساسية ويتأثر بأبسط الاضطرابات، سواء من جزيئات الغبار أو الهزات الأرضية البعيدة. 
من هم المصنّعون الكبار؟
- كانت «تي إس إم سي» رائدة صناعة الرقائق بدعم حكومي في الثمانينات - تصنع رقائق المنطق لصالح شركات أخرى، وتنتج الشركة الآن أكثر الرقائق تطوراً في العالم، ويقصدها الجميع للحصول عليها، وتُعد حصتها من سوق صناعة الرقائق العالمية أكبر من منافسيها الثلاثة التالين مجتمعين. 
- تهيمن شركة «سامسونغ» في مجال رقائق الذاكرة وتحاول اقتحام «منجم الذهب» الذي تسيطر«تي إس إم سي». وتعمل الشركة حاليا على تحسين تكنولوجيا إنتاجها وتحصل على طلبيات جديدة من شركات مثل «كوالكوم إنك.» و«إنفيديا كورب».
- يحقق «إنتل كورب»، البطل الأميركي الأخير في المجال، إجمالي عائدات أكبر من أي مصنّع رقائق آخر، ولكن نشاطه يتركز بشكل كبير على صناعة رقائق لعلامته التجارية الخاصة التي تؤدي دور»الوحدة المركزية لمعالجة البيانات CPU بالنسبة للحواسيب المحمولة وأجهزة الحاسوب المكتبية. 

ديبي وو وسوهي كيم وإيان كينج

صحفيون متخصصون في الشؤون الاقتصادية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»