إن «الحسابات الخاطئة» التي كشفها قلم معالي الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، مثلت اعترافاً وتوضيحاً منطقياً للحسابات المحكمة والناجعة للإدارة الإماراتية سواء أكان على الصعيد السياسي، أم الديني، لتحافظ على ثبات رواسيها الوطنية كشجرة ضاربة العمق في أصالة جذورها، وكدولة مسلمة، تحتضن الأديان وتحترمها، ولا تزاود على النصوص الدينية لتحقيق مآربها، سيما في ظل الجهود الجادة لخدمة هذا الدين، وإبراز رسالته السمحة على أوسع نطاق. 

وفي النظر للجهود والإنجازات العلمية، للمفكر جمال سند السويدي، وفي الوقوف عند هذا المؤَلف بالذات، نجد أنه ربما كانت «أكاديميته الغيورة» دافعاً للمحاربة الفكرية العلمية الواعية ضد أي انحرافات وتشوهات تحاول أن تجد متسعاً لها في أفئدة وعقول أبناء المجتمعات، ففي سياق سعي البلدان والمجتمعات، لترسيخ دعاماتها المبنية على ولاء أبناء شعبها، واحتضانهم بصورة تحترم أساسات العقد الاجتماعي، بين واقع الأوطان والدول وسيادتها القانونية والدولية، يأتي كتاب المفكر والكاتب الإماراتي جمال السويدي، كدراسة معاصرة مهمة في إلقاء الضوء «الواضح» على الإسلام السياسي، الذي يستهدف رخاء البلدان، ومحبة الأوطان، وتسليط الضوء أكثر على تنظيم الإخوان المسلمين، في ظرفية لم يسبق لها أن تجد كمؤلفه (جماعة الإخوان المسلمين...الحسابات الخاطئة) عنايةً بهذا الموضوع الشائك والدقيق والمعوز لخلفية عريضة من الاستيعاب المرحلي والتاريخي لتغلغل التنظيمات السياسية، والإلمام بثقافة واسعة جناها السويدي عبر رحلته الأكاديمية والبحثية الفذة، المتعطشة على الدوام لاستدامة المعرفة، والنهضة بالفكر. 
ما قدمه السويدي في «الحسابات الخاطئة»، هو خطوة مجتهدة، تبعت خطوة «جريئة» بإصداره عام 2015 كتاب (السراب) الذي عَمِلَ فيه عَمَلَ الطبيب، مشرحاً بدراسة معمقة، ومقرباً عدسته الأكاديمية لتوضيح أبعاد مشهد «الجماعات الدينية السياسية»، وبخاصة في ضوء الحالة «النشطة» التي تعمدتها خلال فترة الربيع العربي، مستهدفةً «المدارج السياسية» وواضعة نصب أعينها «المناصب» وراء شعار الإسلام، وغايتها تحقيق المكاسب نزولاً عند التضارب الصارخ بين ما نادت به من أفكار وشعارات، وتطبيقها الواقعي الذي أوجد «انتكاسة» لصورتها «المكبرة» من جهة، وعلاقاتها المتأصلة المخفية مع جماعات «إعاثة الفساد» والأذى في الأوطان من جهة أخرى. وهو ما أشار إليه المؤلف خلال استعراضه الدقيق لتفاصيل هذا التنظيم، والكشف الصريح عن مخططاته «المتخمة» بالمصالح السياسية، والفردية التي تغلبت على الأولى، بإثبات الفشل الذريع الذي واجهته تجربتهم السياسية المختطفة، يتيمة الرؤى الواقعية، مبتورة المبادئ. 
شخصية السويدي تشكل بلورة ثمينة تضيء من كل جانب، منيرةً لدروب العلم والمعرفة، وبانيةً حصن متين لا يقبل اختراق أي فكر «منحرف»، وبالنظر للجهود العلمية التي بذلها السويدي، فإننا نجد التفاتاً بهياً وجهداً مخلصاً لألباب تبقى حاضرة في الزمان والمكان في مؤلفه (بصمات خالدة...شخصيات صنعت التاريخ وأخرى غيَّرت مستقبل أوطانها)، وخرج من صلب بيئته التي ترعرع فيها بنظرة دؤوبة في كتاب (مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة: نظرة مستقبلية)، واقترب يتحسس ملامح الواقع «رقمي الصبغة»، لينطلق بـ(وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التحولات المستقبلية: من القبيلة إلى الفيسبوك)، ممعناً في تحليل أبعاد شبكات التواصل الاجتماعي على التركيبة المجتمعية بمعظم أطرافها، وامتداداتها، و«عصبيتها الافتراضية» الجديدة. 

ويثبت السويدي بين طيات مؤلفه (آفاق العصر الأميركي: السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد)، سعيه لاستثمار مخزونه المعرفي، من خلال طرحه رؤيته المتوقعة، للنظام العالمي الجديد، بعد مخاض طويل يعتصر فيه الكاتب تحليلاً متعمقاً. وإضافةً للإضاءات الآنفة «المتواضعة» على ثمار الدكتور جمال السويدي الأكاديمية، إلا أن حصافته النقدية المعمقة، وقدرته البحثية والمنهجية المتقنة قد أضافت الجديد بتعبئته الفراغ البحثي، وأضاءت الطريق أمام الكثير من المؤلفين والباحثين، ذوي «الإبداع السخي»، والعلم الوافر.