في باكورة تصريحاته حول السياسة الخارجية، وجّه الرئيس الإيراني المنتخب خطابين مختلفين إلى كل من الولايات المتحدة الأميركية ودول مجلس التعاون الخليجي، ممثلة في المملكة العربية السعودية.
الخطاب الموجّه إلى الولايات المتحدة متشدد جداً، وينم عن عداء شديد لسياساتها في الخليج العربي والمنطقة العربية وجوارها الجغرافي، في حين أن الخطاب الموجه إلى المملكة العربية السعودية خطاب ليِّن يفصح عن رغبة في الحوار معها ومع دول الخليج العربي الأخرى التي لا تختلف سياسات إيران تجاهها كثيراً عن سياساتها تجاه المملكة.
لكن بادئ ذي بدء لا بد من الإشارة إلى أمرين مهمين، أولهما أن الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي هما حليفان متلازمان تجاه أمن الخليج العربي وشريكان متعاضدان في تحقيقه والحفاظ عليه، وليس من الحكمة في شيء من قبل أي طرف دولي توجيه خطابين مختلفين لهما في ذات الوقت.
والثاني أن هذا الخطاب لم يختلف كثيراً عما كانت توجهه الإدارة الإيرانية المنصرفة إلى هذين الحليفين، الأمر الذي يقلل من شأن الاعتدال والتطرف في السياسة الخارجية الإيرانية فهما وجهان لعملة واحدة، ولا فرق بين المعتدلين والمتشددين في السياسات الإيرانية.
دول مجلس التعاون الخليجي تهمهما كثيراً السياسة الخارجية الإيرانية تجاهها، لكن في هذه المرحلة المبكرة من وصول الرئيس المنتخب حديثاً إلى السلطة هي من مصلحتها توخي الحذر الشديد من التصريحات الإيرانية تجاهها رغم ما تفصح عنه رسالة الرئيس الجديد من مضامين بأن السياسة الخارجية القادمة ستقوم على الانفراج في حدة التوتر في العلاقات القائمة وعلى الحوار بين الجيران.
ونظراً للخلفية السياسة الداخلية المؤثرة للرئيس الجديد وقربه من المرشد الأعلى والحرس الثوري، فإن الخطاب الموجه إلى دول المجلس يمكن أن يفهم بأنه توجه أو منهج جديد قادم من الممكن أن يتم تبنيه من قبل دوائر مشايخ الدين المتنفذين المحيطين بالمرشد الأعلى ومن قبل الحرس الثوري الإيراني مع جيران إيران العرب في الخليج العربي وفي المنطقة العربية بشكل عام بما في ذلك مصر.
وهنا تنشأ لديّ تساؤلات ربما من الباكر معرفة إجاباتها سريعاً: فهل يهدف الرئيس الجديد إلى رسم خريطة طريق جديدة لعلاقات بلاده مع العرب من شأنها أن تؤدي إلى إخراج إيران من عزلتها السياسية والاقتصادية بشكل عاجل بعد أن فعلت العقوبات المفروضة عليها ما فعلته من تأثيرات سلبية على كل شيء تقريباً فيها، وأن تؤدي إلى المزيد من انفراج العلاقات مع دول ومناطق أخرى، خاصة آسيا الوسطى وأوروبا، وبالتالي كمقدمة لانفراج كبير في الملف النووي وملف الصواريخ الباليستية.
والشيء الذي استطعت قراءته من خطابات وتصريحات ومقابلات الرئيس المنتخب في الأيام القليلة الماضية، ومن نواياه المعلنة شفهياً في خطابات «النوايا الطيبة» التي أطلقها تجاه المملكة العربية السعودية دول مجلس التعاون ودول العالم العربي الأخرى تجعلني أستخلص نتيجة هي أن مشايخ الدين الإيرانيين بمن فيهم المرشد الأعلى لديهم الرغبة في انفراج الأوضاع مع هذه الدول وبأسرع وقت ممكن، ولكن ضمن الشروط والمطامح الإيرانية، وهو أمر يعكس رغبتهم في تغيير سياسة بلادهم الخارجية تجاه دول الخليج العربي والعالم العربي ضمن الأطر والمحددات التي يضعونها هم.
لكن هذا النمط من الغزل السياسي مع عدد من حلفاء وشركاء الولايات المتحدة في الخليج العربي أو حتى المنطقة العربية وجوارها الجغرافي بكاملها دون وجود انفراج أو حتى نوايا بالانفراج في علاقات إيران بالولايات المتحدة، خاصة على صعيد ملفاتها النووية والصاروخية، وغيرها من ملفات ساخنة لن يفيد إيران وسياستها الخارجية بشيء، وسيبقي الأمور على حالها، لأن السعي إلى علاقات طبيعية مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة يمر عبر بوابة واشنطن.
لذلك ونحن في الأيام الأولى لانتخاب الرئيس الإيراني الجديد علينا كمراقبين الانتظار والصبر إلى أن تصدر ردود أفعال واضحة من قبل الولايات المتحدة، ودول مجلس التعاون الخليجي، والدول العربية الأخرى الفاعلة في المنطقة خاصة مصر.
* كاتب إماراتي