بين ذاك الوقت وبين تحول هذه الأزمنة الموبوءة، وقت كهفي الرقدة لا يعرف جمال الألوان بقوس قزح، لا يعرف كيف مجيء الفرحة في النسغ الكامن في كل فصول الأرض، لا يعرف كيف الهجرة بين الموت وبين الرفض، نتسربل باللعنة.. هل هذه اللعنة مفتاح أزلي للجهة السفلى نتضامن تحت شقوق مساربها ولا نفتح نافذة للضوء؟.. هل هذه اللعنة وجه محفور في الزئبق يتهرب منزلقاً ويلتف كحرباء تتجدد في الفزع الفقري؟، هل هذه اللعنة خنجر راحلة في كل عصور الهجرة، وفي موقد صحراء القلب، تغتال براءات الطفل المتضوع في أروقة الفجر؟، تحتز وريد العاشقة الظمأى للقبلة، للحلم الرابض بين ضفاف الحب، والأم الحالمة بأعراس ولادتها؟ هل هذه اللعنة ناموس بداءتهم تنغرس كقطرات الوجع الآن.. فأصلي: أوغلت شفرات الطعنة في لحم طفولتهم.. صاروا في الصمت حرابا ثُقبت في ملح الصمت، هل يأتون الآن يحاورونها؟، بين الوقت وبين الأشواق المزروعة في كل مساحات القلب، وقت لا يعرف أن حدود الشوق الساكن أوردتي لا حد لها.. لا يعرف أن الحزن براكين هادرة في قطرات الدم.. طوفان يهجس بالأسفار من المدن الموشومة في خشب الوحشة، في هذا الوجه المجدول بإزميل القهر.. من يسمعني؟ وأنا أنقر هذا الدف المتآكل في زمن الطاغوت؟ من يفتح أرتجة الصمت المتطاول في صدأ التابوت، من يسمعني.. غير الجدران المذعورة من طرق الريح ووقع الأقدام المنسربة من حجرات الرعب.
ووهوهة الدم المتفجر في مجرى الأنهار، في نسغ الأشجار، في شفة الأطفال وعيون الأم الأرض، وكل فصول التاريخ المشبوهة في زمن الطاغوت.. وأنا في كل ثواني المدن المنخورة والمسكونة باللعنات الأزلية أتيم باسم الإنسان المتشرد في طرقات الجوع ويموت! آه.. والشوق سيول غاضبة تجتث شجيرات الصبر، تغرقني، السيل، الشوق، الغضب المتفجر في الموج جنوناً ضوئياً يتاقطر في نصل الوحشة.. يلتفُّ..أصير جنوناً مغترباً أو وجداًّ في شفة الرمل يخاصرني.. أتكسر في الشفة المشبوبة طعماً للحب وللشوق، ورماداً في الزمن الفج، أو وعداً يخضرُّ على وعد.. في فجوات الصمت المتخثر كنت أسير تتساقط أحزان الورد على ظلي أقطفها وأسد بها سغبي للورد وللشوق وللأمطار.
كانت أقدام الجوع تؤرقهم وتفض الأحلام بغصات الشهوة ضد الموت وأحداق الشهقة للميلاد.. لفظتهم أرصفة البرد المتعب في طرقات التيه.. الليل قوافل وحشية.. وحنيني يستيقظ في الليل كدفء مرافئ منسية.. أستصرخ في الليل جنون براكين الرعد، هل تأتي شمس الأعراس تطل على قامتهم نوراً يشرق بالوعد؟!.