الحركة الفنية العملاقة التي تعيشها الإمارات اليوم، مع ازدهار المعارض الفنية والمتاحف والإقبال الكبير من مستثمري اقتناء اللوحات والدعم الذي تحصل عليه هذه الحركة من المؤسسات الرسمية، لا تواكبها حركة نقدية بالزخم والمكانة نفسيهما. حركة تقرأ في تحولات هذا الفن والأفكار والرؤى الجديدة التي تحكم المشتغلين فيه. وربما بسبب ذلك أصبحت بعض المعارض تستقطب تجارب ضعيفة وأخرى (غير مقبولة فنياً) فيما لو رافقتها حركة نقد حقيقية. هناك اليوم الكثير من الأعمال التي تُطرح من غير أن تثير حتى مجرد السؤال عن طبيعة الفن، على عكس ما حدث في مرحلة الثمانينيات من القرن الماضي عندما دخلت اللوحة التجريدية ومن بعدها الأعمال التركيبية والمفاهيمية إلى الساحة الفنية الناشئة آنذاك، فظهر العشرات ممن تصدّوا لها ورفضوها كونها تخلخل الذائقة البصرية وتبث الأفكار الغريبة في المجتمع. لتليها بعد ذلك مساجلات حول الفن ودوره الاجتماعي وعلاقته بالبيئة والحداثة والمستقبل.
أيضاً ذهبت الصحف لتلعب دوراً محورياً في نشر الثقافة البصرية الجديدة، وحضر النقد التشكيلي ولو في شكله الانطباعي العام، وحاولت مجلة (تشكيل) التي تصدر عن جمعية الإمارات للفنون التشكيلية أن تقدم مواضيع ثقافية بصرية، من غير أن تقترب إلى تكوين حالة نقد فني تقرأ التجارب من بداياتها وتؤسس لمرجعية فنية لإنتاجات المبدعين في الإمارات. وفي المجمل كان هناك من يستعرض التجارب ولا يغوص نقدياً في فلسفتها وبعدها الفني البصري وعلاقتها بالحركة الفنية في العالم. وكان ينبغي أن تتواصل هذه الجهود لبناء حالة متكاملة من دراسة تطور الفنون في الدولة، لكن هذا لم يحدث.
اليوم، تراجعت تلك الحركة شبه النقدية. ولم نعد نسمع عن قراءات معمّقة في حركة الفن المحلية أو أساليب فنانينا. ومع كثرة المعارض التي تقام طوال العام في كل مدن الإمارات، أصبحت الصورة العامة غير قابلة للاحتواء. ولا نعرف كيف يخوض الفنان الإماراتي مسيرته وطريقه وسط كل هذا الفيض من المعارض؟ وهل هناك من يرصد تجارب الشباب الجدد؟ وهل تتولى جمعية التشكيليين مثلاً استكتاب نقّاد في الفنون البصرية ليحللوا أعمال المعرض السنوي لأعضاء الجمعية؟
أحب أن أشيد هنا بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي التي استطاعت خلال دوراتها العشر السابقة أن ترفد المكتبة ببحوث نوعية تقرأ في تحولات الفن العربي. وأطمح أن تتولى جهة ما التأسيس لحركة نقدية حقيقية للفنون في الإمارات.