الكثير من دوائرنا رغم العقود الطويلة والإدارات المتعاقبة، يفتقر لثقافة التطوير والبناء على ما تم تأسيسه، فنجد كل إدارة جديدة تنسف ما قامت به سابقتها، وتبدأ العمل من جديد في حلقة مفرغة، لا يستفيد منها سوى الشركات الاستشارية التي تعتبر هذا المنهاج والأسلوب باباً واسعاً للتربح.
مرت بنا العديد من الشواهد والوقائع والتي أهدرت معها أموالاً طائلة، خاصة في ميدان التربية والتعليم، جراء «الاستراتيجيات» المتلاحقة، وكذلك ما شهده ميدان التعليم الخاص الذي تسبب في ظهور أجيال من أبنائنا ممن لا يجيدون لغتهم الأم.. العربية، وهو أمر استشرفه وحذر منه المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وتابعناه في التسجيلات الصوتية التي تبثها إذاعة أبوظبي بين فترة وأخرى.
موضوعنا يتعلق بالتصديقات على الشهادات والمؤهلات، وما وصلت إليه في عصر التحول الرقمي، قبل سنوات عدة وفي عهد أحد وزراء «العمل» السابقين، تبنى ضرورة تصديق الشهادات الجامعية للقادمين للعمل في القطاع الخاص، وأسندت الوزارة الأمر لإحدى الشركات والتي كانت تتقاضى رسماً باهظاً عن كل عملية، قبل أن تتوقف مع تغيير الوزير، وبقيت التساؤلات عن مصير العملية وعائداتها. 
بعد ذلك، تبنت «التصديقات» الهيئة الوطنية للمؤهلات، قبل أن تؤول لوزارة التربية والتعليم، التي أصبح معها جمهور المتعاملين يعانون بعد تولي إدارة جديدة للعملية، وبدلاً من الاستفادة من التجربة السابقة في الإنجاز، تابعنا تأخرها والوقائع الغريبة معها، كالصحوة المتأخرة للتدقيق في قاعدة بيانات أربع مؤسسات مغلقة للتعليم العالي الخاص، ليبرز معها السؤال الكبير للمسؤولة الجديدة عن السر في حدوث ما جرى والحلول العملية التي تقدمها، وهل وضع أي من أعضاء الإدارة الجديدة نفسه في موقف أحد خريجي تلك المؤسسات، سواء الذي حظي بوظيفة أو من لا يزال يبحث عن فرصة عمل، وكذلك أولياء أمورهم الذين أنفقوا أموالاً طائلة لتعليم أبنائهم وبناتهم.
العقلية السائدة اليوم في جهات التصديقات ومراكز إسعاد المتعاملين في وزارة التربية والتعليم لا تدرك أبعاد وغايات الدولة من استقدام خبرات دولية وعالمية وتغدق عليها من الرعاية والتكريم، بما في ذلك منح جنسية الدولة أو الإقامة الذهبية، ليجد الفرد منهم أمام «بيروقراطية» تتطلب، ونحن في العصر الرقمي، شهوراً لتصادق على شهادة علمية من جامعات عريقة، فما بالك بشهادات جامعاتنا المحلية.. وكان الله في العون.