بعد أن أعلن الأسبوع الماضي عن فوز فخامة الرئيس الإيراني المنتخّب «إبراهيم رئيسي» بكرسي رئاسة الجمهورية الإيرانية الإسلامية، تساءل العديد في الشارع السياسي العربي والإسلامي عن دلالات وتبعات هذا الفوز؟ وما هو المتوقع في إيران خلال فترة رئاسة الرئيس الجديد؟ وقبل أن نخوض في الإجابة لا بد أن نشير إلى مصطلح الديمقراطية الموجهة، وبعبارة أخرى توجيه الجمهور بصورة غير مباشرة إلى انتخاب رئيس معين بدعوى أن يتمكن الشعب من ممارسة حقوقه، ولكن دون ذكر أن تصويت الناخب لن يغير في واقع السياسة العامة للدولة، كما ولن تكون لديه القدرة على تغيير سياسات الدولة أو دوافعها أو أهدافها، وبالمقابل يتم الحديث بصورة مكثفة عن الإرادة الشعبية كثابت لا يتغير في النظرية الديمقراطية، وتعلو الإرادة على القيم والمثل والمبادئ، وتحل الإرادة الشعبية في العديد من الحالات مكان الشرعية الدستورية.
إذاً الديمقراطية هي نظام يعكس ميول وآراء العوام، حيث يحول فيها الثابت إلى متغير والمتغير إلى ثابت، وللإجابة على ما هو متوقع من متغيرات على نظام الحكم في ظل انتخاب رئيس جديد، تكمن في أنه لا يوجد، ولن يوجد أي تغيير، وستبقى الأمور على ما هي عليه، حيث تم وضع سبعة مرشحين ذكور أمام الناخبين معظمهم من المحافظين، ومرشح وحيد كان من غير المحافظين وهو «هماتي» والذي كان محاصراً من جميع الجهات، وبالتالي تم فحص باقي المرشحين بدقة لضمان تفانيهم للنظام الإسلامي وولائهم للمرشد الأعلى للبلاد «آية الله علي خامنئي»، وهو ما يعني أن فوز أي منهم لن يحدث أي تغيير في المنظومة المعتمدة لسياسة حكم الدولة، وبالتالي تصبح كل أذرع الحكومة المنتخبة وغير المنتخبة في قبضة «المحافظين»، مما ينهي الازدواجية المضطربة التي شهدتها إيران في السنوات الثمانية الماضية، عندما وجد الرئيس الوسطي المنتهية ولايته «حسن روحاني» نفسه على خلاف مع الحرس الثوري الإسلامي و«المحافظين» ورجال الدين.
فقد تم استبعاد جميع المرشحين «الإصلاحيين» البارزين من الاقتراع من قبل 12 عضواً غير منتخب من مجلس صيانة الدستور، ومن جهة أخرى يأمل الشعب الإيراني في أن يجلب «رئيسي» الازدهار وسبل العيش الأفضل للأمة الإيرانية، بعد أن أصبح التضخم سبباً رئيسياً في تآكل مستويات المعيشة للطبقة الوسطى، ومن المفارقات أن انتخاب «رئيسي» بموجب العقوبات الأميركية سيفتح باب المحادثات في فيينا بشأن شروط عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي، وعودة إيران إلى الامتثال الكامل بعد أن أصرّ المسؤولون الإيرانيون طوال الحملة الانتخابية على وجود إجماع داخلي على الموقف التفاوضي للبلاد، ولن يغير صعود «رئيسي» هذا الموقف.
وكانت المحادثات بين إيران وروسيا والصين وثلاث دول أوروبية معلقة في الواقع بانتظار نتيجة الانتخابات، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الرئاسة الإيرانية لم تكن ترغب في منح «الإصلاحيين» هديةً سياسية محتملة برفع العقوبات قبل التصويت. ويعدّ انتصار الرئيس «إبراهيم رئيسي» خطوة مهمة لتمهيد الطريق لإجماع داخلي أوسع حول الإصلاح الداخلي استعداداً لمنافسة خلافة المرشد الأعلى، ومن المرجح أن يوفر مزيداً من التأكيد على موقف طهران حيث تشارك في صناعة مشهد الدبلوماسية الدولية، كما أن فوز «رئيسي» يغلق النوافذ والأبواب أمام أية اتجاهات شعبية تحررية وليبرالية ذات مغزى، وتأكيد نظام الحكم الثيوقراطي ولكنه تعددي سياسياً، ويسمح للفصائل المختلفة من المتشددين أو المحافظين إلى البراغماتيين والإصلاحيين بالعمل ضمن إطار محافظ (عقائد ثابتة) وإصلاحي (اجتهادي)، والذي أسسه مؤسس الجمهورية «الخميني» (1979-1989)، ولا يمكن حتماً تغيير المبادئ إلّا أن هناك مساحةً محدودةً فقط لبدء السياسات حول هذه المبادئ.