أنا متأكد أنكم كأميركيين، مثلي، تحبون أميركا، لكن الحب تغيّر. بدأت بتصور الطفل؛ فأميركا هي أعظم وأقوى بلاد على الأرض. وهذا الشعور لا يعيش بصفة عامة حتى مرحلة الرشد وخاصة في أزمان مثل هذه. وهذا النوع من الوطنية يجنح إلى التقليل من شأن الحقائق الواقعية. ويميل إلى أن يتضخم في صورة كبرياء حساس ومتعجرف. وحالياً من الصعب أن يكون المرء واثقاً تماماً بلب العقيدة الأميركية التي اعتدنا على الفخر بها، وهو شعار «واحد في تعدد»، فنحن اليوم لا نبدو «واحداً» إذا ما نظرنا إلى الحقائق. 
وانقشاع الوهم العام عن شعار «واحد في تعدد» جعل الكثير من الناس يتخلون عن الوطنية كليةً. في اليمين، الناس الذين يصفون أنفسهم عادةً بأنهم وطنيون هم في الواقع قوميون، وهذا يعني أن لديهم شوفينية تنطوي على إحساس مختلف تماماً. والقوميون يؤمنون بأن أميركا مقسّمة بشدة بينهم وبين أعداء داخليين يخونونها. والقوميون يقِيمون ولاءهم ليس على عقيدتنا المشتركة، بل على عقيدة قبيلة خاصةٍ قد يكون المرء منها أو ليس منها. وقد كتب جورج أورويل يقول إن «القومي هو يشخص لا يفكر أساساً إلا فيما يتعلق بالوجاهة التنافسية». 
وبدرجة أقل بكثير، فإن تبدد وهم شعار «واحد في تعدد» جعل البعض في اليسار يستنتجون أن أميركا مقسّمة دوماً بين جماعات قامعة وأخرى مقموعة. وبالنسبة لهم، تبدو دعوة جو بايدن المتواصلة إلى الوحدة ساذجةً. والمشكلة أنه إذا تخلى المرء عن الوطنية المشتركة، فإنه يفصم عرى الحياة المدنية. فلن يكون هناك شيء اسمه المعارضة المخلصة، ولن يوجد شيء اسمه وضع البلاد فوق الحزب. ونحن نتحدث هنا عن مدى تصاعد حمية الناس تجاه هوياتهم الحزبية. وقد تكون المشكلة أن الناس أصبحوا أقل حماساً تجاه الهوية الأميركية المشتركة. 
لكني مازالت أنظر، مثلك ربما، إلى نفسي باعتباري شخصاً وطنياً للغاية. ولهذا السبب أعجبني كثيراً كتاب أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة يال، ستيفن بي. سميث، وهو بعنوان «استعادة الوطنية في عصر التطرف». لقد فسّر لي الكتاب مشاعري، كما قد يفسّر لك مشاعرك. وتصور سميث الذي افتتح به الباب لي هو فكرة أن الوطنية الأميركية منطقية وعاطفية وغير منطقية. إنها مستقاة من جذر دماغي. ونحن شعب نصوص. نميل إلى دراسة وإعادة دراسة القليل من النصوص المحورية، بما في ذلك إعلان الاستقلال والدستور وخطبة جيتسبيرج وخطاب من معتقل بيرمنجهام. وهذه النصوص تتضمن أفكاراً نقبلها ولكنها أيضاً تتضمن مُثلا تدفئ قلوبنا. 
واللب الأساسي لمجموعة القيم الأميركية يتضمن بالتأكيد المساواة والاحتواء وذاتية الحكم والطموح وفكرة أن كون المرء أميركياً ينطوي على الصعود إلى شيء ما. ولدينا هذا الافتراض غير المعتاد وهو أن أميركا ليست مجرد رقعة أرض بل تمثل مشروعاً. إننا لا نعيش هنا فحسب، بل لدينا أهداف. ونسعى إلى التعبير عن القيم الأميركية، وحين نفعل هذا يتضح أننا لا نتفق! ويكتب سميث يصف الوطنية الأميركية قائلاً: «إنها ذات طبيعة فريدة في سؤال ذاتها». إننا ثقافة الصراع، وهذا الصراع لا يحدث فقط في المسيرات، وإنما أيضاً في مجالس إدارة المدارس وأعمال المشاركة المدنية الرتيبة يومياً. وبطولة زمن الحرب ليست علامة عليا على الوطنية الأميركية، بينما كتابة تعليق مخالف لهذا العمود يمثل هذه العلامة. وهذا النوع من الوطنية «هو الفضيلة الأولى للمؤسسات الاجتماعية». وهذا هو ما يجعل كل شيء يعمل معاً. إن تراجع هذا الولاء هو ما جعل مؤسساتنا تميل إلى التعثر. ومن هذا النشاط ينشأ نوع معين من الحالة العاطفية. فحين نتجادل بشأن قضية ما، فإننا نطور تعاطفاً تجاهها ودرجة ما من الاهتمام. ونطور إخلاصاً مطرداً للطريقة التي تجعلنا نوعاً معيناً من الشعوب. وأحياناً يؤدي الاهتمام بأميركا إلى خزي أخلاقي. وكما لاحظ السناتور كوري بوكر فإنه «إذا لم تكسر أميركا قلبك، فإن حبك لها ليس كافياً». لكن هذه صيغة متينة وقوية، إلا أنها غير ملتهبة من الحب القومي. ويجادل سميث بأن هذا النوع من الحب أفضل ما ينقله هو كلمة «مشبوخه» باللغة اليديشية، وتعني الأسرة، لكنها أكثر من الأسرة وتمتد أيضاً للعلاقات والناس في نفس المكان. ويقول سميث: «مشبوخه ربما لا تمثل معارف شخصية، لكنهم أشخاص نعرفهم حين نراهم، من خلال ملابسهم وعاداتهم وأصواتهم ونبرتهم ولغة جسدهم وبطائفة كاملة من العلامات الدقيقة وغير الدقيقة. مثل هؤلاء الناس ليسوا بالضرورة مقربين منا لكنهم ليس غرباء تماماً». إنهم بطريقة ما منا ونحن منهم. 
ذات يوم، طالب السياسي اليوناني بيركليس في خطبته الجنائزية الشهيرة مواطنيه بأن يغذوا عيونهم بمنظر مدينتهم حتى يملأ حبها قلوبهم. وكان بيركليس يتحدث في زمن الحرب حين كانت الوحدة الوطنية تتشكل بفعل تهديد أجنبي. لكننا نعيش، في المقابل، عصراً من الصراع الداخلي يتعين أن يكون الحب فيه قوياً وصبوراً ورحيماً ومتسامحاً. 


*كاتب وصحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»