اختار الرئيس جو بايدن إنهاء ما بدأه سلفه في أفغانستان، غير أنه خلافاً للرئيس دونالد ترامب، فإن بايدن قد لن يكون بمقدوره حتى الإشارة إلى عملية السلام في أفغانستان كذريعة للتخلي عن حكومة أفغانية منتخَبة يعود الفضل في تشكيلها إلى التضحيات البشرية والمالية الأميركية.

قبل يوم من تسرب خبر قرار بايدن الانسحاب بحلول الحادي عشر من سبتمبر إلى الصحافة، أعلنت «طالبان» أنها لن تشارك في محادثات السلام المرتقبة في تركيا. وهذا يعني أن الولايات المتحدة ستترك الحكومة الأفغانية لتدبر أمرها بنفسها في وسط حرب أهلية.

وهذه فرصة مثالية بالنسبة لتنظيم «قاعدة» مشلول ليعيد بناء نفسه. ولكن إدارة بايدن لا تنظر إلى الأمر على هذا النحو. ففي حديثه إلى صحافيين يوم الثلاثاء، قال مسؤول رفيع المستوى في إدارة بايدن إن الولايات المتحدة ستواصل محاربة «القاعدة» حتى بعد أن تغادر قواتها أفغانستان. وقال: «أعتقد أننا نحتفظ بقدرات عسكرية واستخباراتية مهمة من أجل عرقلة القدرات الأوسع لـ«القاعدة»، ومنعها من إعادة تشكيل التهديد المستمر للولايات المتحدة بشكل ناجح».

عملياً، هذا يعني أن إدارة بايدن تتوقع نشر ترسانة من الطائرات المسيّرة عن بُعد وأجهزة الاستشعار وموظفي محاربة الإرهاب في باكستان، حيث تستطيع إطلاق هجمات انطلاقاً من هناك على «القاعدة» في أفغانستان. ولكن هذا المخطط يعتمد على حكومة باكستانية أمضت معظم الحرب الأفغانية في إيواء طالبان ودعمها. ثم هناك مشكلة أخرى في هذه الاستراتيجية، وتتمثل في أن الولايات المتحدة ستفقد الأدوات البشرية الضرورية لتعقب «القاعدة» والجهاديين في أفغانستان.

فكم هي احتمالات أن يجازف الأفغان الذين يعارضون «القاعدة» بأرواحهم من أجل مساعدة قوة عظمى غادرت البلد وتركته ليدبر أمره بنفسه أمام طالبان؟ فريد كاجان، الباحث في «معهد المشروع الأميركي» في واشنطن، والذي أنجز عدداً من الدراسات العسكرية المعمقة للمهمة الأميركية في أفغانستان منذ عقد الألفينات قال لي: «إن الولايات المتحدة لا تستطيع القيام بعمليات مهمة لمكافحة الإرهاب على بعد مئات الكيلومترات على الأراضي الباكستانية ذات السيادة ضد التنظيمات التابعة لـ«القاعدة».

 الحديث المتفائل حول القدرة على التصدي لـ«القاعدة» حينما تنسحب الولايات المتحدة ليس الوعد الوحيد المتنافي مع الواقع الذي سيطلقه بايدن من أجل تبرير الانسحاب. فهناك أيضاً مصير النساء الأفغانيات. والحال أن مؤتمراً حول النساء في أفغانستان عُقد، افتراضياً، خلال الآونة الأخيرة، وتميز بمشاركة بعض النشطاء الأعضاء في فريق التفاوض التابع لحكومة كابول، حذّر من أن انسحابا الآن سيعرِّض للخطر عقدين من المكاسب التي تحققت للنساء الأفغانيات. والواقع أنه من السهل فهم الأسباب. ذلك أنه إذا سيطرت «طالبان» على بقية البلاد، فإنها ستعيد عقارب الساعة إلى فترة ما قبل الغزو الأميركي لأفغانستان.

ذلك أن النساء لن يُسمح لهن بالمشاركة في معظم مناحي الحياة العامة. والفتيات لن يُسمح لهن بالذهاب إلى المدرسة. ومخالفو هذه الأوامر سيواجهون خطر السجن، أو ما هو أسوء منه. والواقع أن إدارة بايدن تدرك كل هذا. فالمسؤول رفيع المستوى الذي قدّم إحاطة إعلامية للصحافيين قال إنه خلال العشرين عاماً الماضية، انتقل عدد الأطفال في المدارس من أقل من 900 ألف في 2001، كلهم تقريباً أولاد، إلى 9.2 مليون اليوم، 3.7 مليون منهم فتيات. غير أن خطة إدارة بايدن لحماية هذه المكاسب تعتمد، للأسف، على العقوبات والرقابة. وعلى سبيل المثال، فإن الولايات المتحدة ستمتنع عن الاعتراف الدبلوماسي بحكومة طالبان إن اختارت هذه الأخيرة حكم أفغانستان بالطريقة نفسها التي تدير بها حالياً دولة الظل التي تديرها. كما ستستمر في تطبيق عقوبات على مسؤولي طالبان الذين ينتهكون حقوق الإنسان.

والحال أن هذا يمكن أن يكون ناجحاً وفعّالاً مع خصم يهتم بالاعتراف الدولي أو النمو الاقتصادي، ولكن طالبان جماعة عنيفة لا يهمها سوى فرض الحكم الإسلامي مهما كان الثمن. منذ ما يربو عن عقد من الزمن والولايات المتحدة تواجه اختياراً صعباً في أفغانستان: الاستمرار في محاربة طالبان حتى حالة الشلل على الميدان، أو الانسحاب ومشاهدة انهيار الحكومة المنتخبة في كابول.

*كاتب أميركي مختص في شؤون الأمن الوطني

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»