سيظل التربص قائماً بالحكومة الإسرائيلية الجديدة، ولن تتراجع محاولات الليكود والمتشددين من اليمين لإسقاطها حتى قبل الوصول إلى مواجهات جديدة في الكنيست، والتي تتعلق بموضوعات الموازنة العامة والخلافات بشأن المخصصات، وحالة الابتزاز التي مارستها «القائمة الموحدة» للدخول في الحكومة، وهو ما يشير فعلياً إلى أننا سنكون أمام حالة من التأزم الهيكلي المستمرة، والتي لن تتوقف خاصة أن الحكومة تضم عناصر متنافرة، وتضم أحزاباً متنافرة، مثل «هناك مستقبل» و«يمينا» و«العمل» و«أمل جديد»، «أزرق- أبيض» و«ميرتس»، و«القائمة العربية الموحدة»، و«إسرائيل بيتنا».
هذه الحكومة ضمت كل القوى المناوئة على الساحة الإسرائيلية، وهناك تصور عام بأنها ستكون حكومة انتقالية هشة، سرعان ما ستدعو لانتخابات جديدة بعد أن تقر مجموعة قوانين تكفل عدم رجوع نهج نتنياهو للحكم مرة أخرى، ومن الواضح أن التطرف يطغى على سياسات الائتلاف اليميني الجديد، خاصة وأن «بينيت» سيكون أشد يمينيةً من نتنياهو، في مسألة الدولة الفلسطينية، حيث يرفض رفضاً قاطعاً إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ويعتبر إقامتها بمثابة انتحار لإسرائيل، كما يرفض تقديم أي تنازلات في ملف القدس.
كما يضم ائتلاف الحكومة أشد الأحزاب المتطرفة في الساحة اليمينية، إذ تؤيد الاستيطان، وإن كان هناك تصور مقابل بأن هذه الحكومة الجديدة ستعمل على تجنب النقاط الخلافية، لتبقى أكبر فترة ممكنة.
ومن غير المتوقع حدوث تغيير جوهري وحقيقي في مسائل تتعلق بالقضية الفلسطينية سواء الشروع في المفاوضات، أو في ملف العلاقات مع غزة كرفع الحصار، أو إبرام صفقة تبادل للأسرى نتيجة تباينات أيديولوجية وسياسية، وتوترات شخصية.
وربما قبل نهاية هذا العام ستعود إسرائيل لانتخابات جديدة، فالحكومة الإسرائيلية ستراجه ضغوطاً من رؤساء الأحزاب الحريدية، رئيس حزب «يمينا» نفتالي بينيت رئيس الوزراء الجديد، حيث حمل رؤساء الأحزاب الحريدية« بينيت» ورئيس حزب «تيكفا حداشا» جدعون ساعر، المنشق عن حزب «الليكود»، مسؤولية الفشل المسبق وجمع كل الأغيار. ويتوقع أن يبقى «الحريديون» في صفوف المعارضة، كذلك إعلان رئيس «شاس» أرييه درعي، بعد تشكيل الحكومة أن دولة إسرائيل تغير وجهها وطبيعتها وهويته. ولا يدور الحديث عن فصل الدين عن السياسة فقط، وإنما عن اقتلاع الدين من الدولة العبرية، واعتبار الحكومة برئاسة «بينيت» ستهدم وتدمر كل ما تم الحفاظ عليه طوال 73 عاماً، والمتمثل في يهودية الدولة.
كما كثف رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بينيامين نتنياهو تحركاته لإفشال الحكومة، وشكك في قدرتها على مواجهة ما سماها الضغوط الأميركية، انطلاقاً من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت لن يكون قادراً على مواجهة الرئيس الأميركي جو بايدن في مجمل القضايا الثنائية، أو صد الضغوط الأميركية بشأن القضية الفلسطينية، وأنه سيرضخ إذا ما طالبت الولايات المتحدة بتجميد بناء المستوطنات في الضفة الغربية. نتنياهو تساءل عما إذا كان «بينيت» سيتمكن من منع إيران من امتلاك سلاح نووي حتى لو كان ذلك قد يتسبب في توترات مع إدارة الرئيس بايدن، والاستمرار في تصوير الحكومة الجديدة بكل عناصرها على أنهم أقرب إلى العرب منهم إلى اليهود. وبالتالي ستبقى الأوضاع في إسرائيل على حالها من التوتر السياسي، فإلى جانب إيران وعملية السلام مع الفلسطينيين، ستواجه تحقيقاً في ارتكاب جرائم حرب أمام المحكمة الجنائية الدولية، ومهمة إنعاش الاقتصاد بعد جائحة فيروس كورونا.
* أكاديمي متخصص في الشؤؤن الاستراتيجية والعلوم السياسية.