قيام الدولة الاتحادية في الإمارات العربية السبع كان باعثاً على الآمال الواسعة ومؤججاً للعواطف والمشاعر الجياشة، وهي مشاعر اصطبغت بها معظم ردود أفعال المواطنين وفي أرجاء البلاد كافة، خاصة أولئك الذين كانوا على وعي آنذاك بما كان يحف بالمنطقة من مخاطر، ولديهم قدر وافر من التعليم والوعي السياسي.

في تلك المرحلة كان يقال بأنه لو شاءت الدولة الاتحادية أن تتخذ لنفسها وضعاً متفوقاً منفرداً في شؤون البلاد لكان يمكن لها القيام بذلك بسهولة، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث نظراً لحكمة القادة الذين كانوا يؤسسون لدولة راسخة. كان الآباء المؤسسون ربابنة مهرة قادوا السفينة بذكاء وحكمة إلى بر الأمان، وأوصلوها إليه بكل يسر وسهولة. ويضاف إلى ذلك أن المواطنين بكافة فئاتهم وانتماءاتهم المحلية كانوا داعمين حقيقيين لكل ما يجري بشأن إقامة الدولة الاتحادية.

كان المواطنون جاهزين لتقبل ما يراه شيوخهم وقادتهم بأنه في مصلحتهم وفي مصلحة الوطن، ويقدم لهم أوضاعاً أفضل من تلك التي كانوا يمرون بها.

الدولة الاتحادية منذ نشأتها الأولى كانت وما كانت وأصبحت ما أصبحت عليه الآن من تقدم ورقي وقوة ومنعة، لكنها لم تقطع للمواطنين وعوداً بأنها ستخلصهم فوراً من نقائص الواقع الذي كانوا يعيشونه قبل قيامها.

وما قامت به حقيقة هو أنها واجهتهم كشعب واع بالحقائق الصعبة التي كانت تعيشها البلاد في حاضرها وواقعها آنذاك نتيجة لنية بريطانيا الانسحاب السياسي والعسكري الفوري، وما كان سينتج عن ذلك من تداعيات على الصعيدين الداخلي والخارجي، وبأن عليهم كشعب العمل الجاد المثابر للتصدي لما قد يحصل.

ما جعل من الدولة الاتحادية الظاهرة الأبرز في تاريخ المنطقة هو ظهور وضع مستجد في حياة البشر كبداية لمسيرة مباركة لتعمير الأرض وما عليها.

لقد كان ما يحدث هو استجابة سريعة لمشاكل وطنية مهددة للوجود وللمستقبل استجدت دون سابق إنذار، بعد أن بقيت المنطقة لحوالي مائة وخمسين عاماً تحت الحماية البريطانية، مثلما تم فرضها من قبل التطورات السريعة التي كانت تحدث في لحظتها.

ما أود قوله إن قيام الدولة الاتحادية ليس بعملية إصلاحية تقوم بها جماعة راغبة في إجراء إصلاحات مخطط لها مسبقاً، بل كانت عملية تأسيس جذرية لكيان شامخ ومنيع.

وبغض النظر عن التفصيلات التي حركت الحكام السبعة لعقد الاتفاقية الاتحادية عندما وجدوا أنفسهم أمام اللحظات الحاسمة التي برزت أمامهم فجأة ودون سابق إنذار بعد سنوات طوال قضتها بلادهم، وهم يمارسون سلطتهم في إماراتهم، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً دون ما خوف أو وجل من أية أطماع أو تدخلات خارجية وبشكل طبيعي ومعتاد في ظل اتفاقيات الحماية التي تم عقدها مع بريطانيا. لقد كانت المهمة التي وجد شعب دولة الإمارات نفسه، وهو يواجهها ويتوجب عليه أداءها هي حماية وطنه وأراضيه ونفسه وواقعه ومستقبله، وإعادة إحياء اقتصاد بلاده الذي كان يعيش وفقاً له عند حد الكفاف.

وهذا يعني أن مهمته كقيادة وشعب لم تكن مجرد ترجمة مشاريع وخطط وضعت مسبقاً منذ زمن طويل من أجل الإصلاح وتحويلها إلى واقع، بل كانت أعمق وأخطر وأشد وطأة، فقد كان عليهم البدء من الصفر تقريباً وفي كل شيء. نعم لقد أجريت بعض الإصلاحات لأمور كانت قائمة قبل عقد الاتفاقية الاتحادية وقيام الدولة الاتحادية، وبعض من تلك الإصلاحات كانت ناجحة وأصبحت مظاهر دائمة في حياة الدولة والمجتمع، لكن البناء الجديد كان هو سيد الموقف، حيث طال كل شيء في حياة الدولة والمجتمع، وظهرت نتائجه الباهرة على حياة المواطنين، أي أنه يمس مستقبلهم القريب والبعيد بشكل مباشر، تركت وراءها تراثاً وطنياً غنياً من الإنجازات الباهرة.

* كاتب إماراتي