يبدو أن حارتنا البشرية مصابة قولاً وفعلاً بآفة النسيان، بحسب تعبير أديب نوبل الراحل الكبير، نجيب محفوظ، ذلك أنها نست أو تناست الأهوال التي عاشتها من جراء إحتمالات المواجهة النووية طوال أربعة عقود في زمن الحرب الباردة، وقد مرت البشرية بلحظات مواجهة حقيقية، كادت أن تدخل العالم إلى عالم الشتاء النووي الرهيب، لولا رحمة ربك.
حين إنهار الاتحاد السوفييتي، وتفككت جمهورياته السابقة، مضت الولايات المتحدة الأميركية في طريق نزع أنياب السوفييت النووية، عبر تعاطي فوقي حذر منه الجنرالات العقلاء والحكماء الفهماء، لا سيما من الجانب الأوروبي، فقد أدركوا بما لهم من الحكمة الإنسانية والدراية الحياتية، أن إذلال روسيا حفيدة القياصرة على هذا النحو أمر لا يستقيم، وأنه إذا قبل الروس مذعنين في الوقت الحاضر، فأنهم عما قريب سوف ينقلبون على أعقابهم، حين تشفى جروحهم وتلتئم كسور عظامهم.
ما حذر منه بعض جنرالات الغرب، ها هو يتحقق على الأرض، بل ويتأكد من تصريحات، «هانز كريستنسن»، من معهد ستوكهولم لبحوث السلام «سيبري»، والذي أشار في الأيام القليلة الماضية إلى أن خفض الترسانات النووية الذي اعتاد العالم عليه منذ نهاية الحرب الباردة في طريقه إلى التراجع.
ما الذي يحدث على صعيد الترسانات النووية العالمية التسع الرئيسة؟
من الواضح أن هناك حركة من التحديث تشمل غالبية تلك الترسانات، وهو تحديث يمضي في طريقين، من حيث الكم، والكيف.
أما الكم، فهناك دول مثل روسيا الاتحادية، قد أخذت في ضم أعداد وأنواع جديدة من الأسلحة النووية، بعضها جهنمي بما تعنيه الكلمة من مكنونات الشر، ومنها على سبيل المثال الصاروخ ذو الرؤوس المتعددة، «سارامات».
روسيا بوتين تعلمت الدرس، وهربت من فخ التسلح العشوائي، ولهذا نجدها لجأت إلى دائرة الكيف أيضاً، من خلال صواريخ نووية فرط صوتية كفيلة بإرباك المعسكر الغربي كافة والولايات المتحدة بنوع خاص.
في ظل إدارة الرئيس ترامب، شهد العالم توجهاً استراتيجياً أميركياً داخلياً يسعى في طريق تجديد الرؤوس النووية، وليس سراً أن هناك حديثاً يدور ولو في الخفاء عن تسليح فضائي نووي، ضمن برنامج حرب الكواكب الذي استخرجه ترامب من أدراج ثمانينيات رونالد ريجان.
أما عن الصين فحدث ولا حرج، إذ تسعى لحيازة عشرة آلاف رأس نووي خلال العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين. هل تتبقى إذن النبوءة الخاصة بانحلال العناصر، ما يعني حتمية المواجهة النووية؟
ربما يتحتم علينا أن نتساءل بالأكثر عن مستقبل الخليج العربي والشرق الأوسط حال بات النووي متاحاً لكل يد. زمن الانفلاش النووي خطر داهم يتهدد البشرية، فهل من ينبه الناس، ويرفع الالتباس قبل القارعة؟
* كاتب مصري