أصبح انعدام الثقة سرطاناً ينخر المجتمع الأميركي. فهو يضخم العداء ويخنق التعاون ويغذي نظرية المؤامرة. فكيف إذن يمكننا بناء الثقة؟ داخل المنظمات، عادة ما يتم بناء الثقة من قبل القادة الذين يخلقون بيئات تشجع الناس على التصرف بنزاهة وكفاءة وإحسان.

هذه ليست مجرد مسألة تتعلق بالشخصية، ولكن امتلاك المهارات العملية الصحيحة، مثل معرفة ما يجب القيام به في المواقف المعقدة لجعل الناس يشعرون بالاحترام والأمان. وفيما يلي بعض الممارسات التي استخدمها القادة في شركاتهم ومؤسساتهم لبناء الثقة: افترض التميز من الآخرين: كلّما راقبت سلوك موظفيك، زاد شعورهم بعدم الثقة وزاد انعدام الثقة لديهم.

ربما يستطيع القادة الذين يثقون في موظفيهم أن يخبروهم بما يجب عليهم فعله، لكنهم أيضاً يسمحون لهم بتنظيم جدول أعمالهم والوفاء بمسؤولياتهم بطريقتهم الخاصة. في الثمانينيات، سمحت شركة «هوليت-باكارد» الأميركية لتكنولوجيا المعلومات للمهندسين بأخذ المعدات إلى المنزل دون الكثير من الأوراق الرسمية، لأنها كانت واثقة من أنهم سيعيدون الأشياء. كن أكثر إنسانية: نشأ العديد منا، ممن تزيد أعمارهم على 45، على فصل الحياة الشخصية عن الحياة المهنية.

هذا التمييز لا تعترف به أجيال الشباب الذين يرغبون في إقحام حياتهم الشخصية في العمل والانفتاح على العواطف وقضايا الصحة العقلية والمسائل الشخصية الأخرى. قبل عامين، أخبرني المتدربون في الفريق الذي كنت أقوده أنهم لم يشعروا أنني أعرفهم حقاً، وأنهم يريدون قضاء فترة ما بعد الظهيرة في مشاركة صور طفولتهم. في البداية، اعتقدت أن هذا أمر سخيف، لكننا فعلناه، وكان هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله. أنشأنا مستويات جديدة من العلاقة العاطفية.

ووجدت «جانيس نادلر»، من جامعة نورث وسترن، أن المفاوضين الذين يقضون خمس دقائق فقط في الدردشة حول أشياء غير متعلقة بالعمل قبل التفاوض بشأن العمل، شعروا بمزيد من التعاون، وقاموا بتبادل المزيد من المعلومات وطوّروا المزيد من الثقة مع بعضهم البعض في الاتصالات اللاحقة. لا للإدانات بطريقة غير مباشرة: أصبحت العديد من المدارس والشركات والمنظمات بؤراً لانعدام الثقة، لأن القادة سمحوا للبعض في المجتمع بإدانة الآخرين عبر الإنترنت، دون الجلوس في غرفة مع المتهمين والتحدث عن ذلك. بمجرد أن يصبح هذا السلوك مقبولاً، يتولى أقسى الأشخاص في المنظمة المسؤولية ويخضع الآخرون.

تثبيط تكوين مجموعات المصالح أو المجموعات الثقافية («الشِّلل» أو «اللوبيات»). يميل الفريق الذي ينقسم إلى ثقافات فرعية مختلفة لأن يصبح فريقاً يزدهر فيه عدم الثقة. فالمزج بين الناس لا يجعلهم ينقسمون إلى مجموعات. لا تبالغ في تقدير الشفافية: هناك تصور واسع الانتشار بأن الناس سيثقون بك إذا جعلت عمليات مؤسستك أكثر وضوحاً للغرباء. هذا خطأ في الغالب. كانت الثقة في الحكومة تتراجع في عام 1976 عندما أقرت الحكومة الفيدرالية قانون الشمس المشرقة لزيادة الشفافية. واستمرت في الانخفاض بعد ذلك. وتشير إحدى الدراسات التي أجريت عام 2011 إلى أنه إذا تم إعطاء المواطنين العاديين مزيداً من المعلومات حول كيفية قيام نظام الرعاية الصحية العامة بصرف موارده، فإن ثقتهم العامة في نظام الرعاية الصحية تضعف، مقارنةً بأولئك الذين لم يقدموا معلومات عن عملية صنع القرار على الإطلاق.

إظهار أقصى قدر ممكن من سرعة التأثر: للمفارقة، فإن ارتكاب الأخطاء يكون فرصة لبناء الثقة، طالما أنك تعترف بالخطأ وتكون واضحاً بشأن ما تعلّمته وما تفعله لتغييره. يمكن أن تؤدي أوقات الرخاء إلى تقويض الثقة إذا كان القادة متحمسين وكانوا يروجون لأنفسهم.

هذا النوع من السلوك يبدو أنانياً، وبالتالي فهو يدمر الثقة. الاعتراف بالجهل الاجتماعي: يقول حوالي 95% من طلاب ماجستير إدارة الأعمال في محاضرات التفاوض التي يلقيها «رودريك كرامر» إنهم أعلى من المتوسط في قدرتهم على قياس صدق الآخرين ومصداقيتهم وموثوقيتهم. والحقيقة، كما أظهر البحث الذي أجراه «ويليام إيكس» بجامعة تكساس في أرلينجتون، هي أننا لسنا دائماً على ما يرام في فهم ما يدور بأذهان الآخرين. ولن يثق بك الأشخاص الذين يشعرون بأنهم يساء النظر والإنصات لهم. الحل الوحيد هو أن تسأل الناس باستمرار عما يفكرون فيه وما هي المعضلات التي يواجهونها.

كن صريحاً. التخلي عن السلطة: في العصور التي يرتفع فيها انعدام الثقة، عادة ما تكون التسلسلات الهرمية للسلطة موضع شك. يكتسب القادة الثقة من خلال نشر السلطة عبر الرتب. في كتابه «قوة التخلي عن السلطة»، يقارن «ماثيو برزون» الهياكل التراتبية الهرمية مع هياكل المجموعات التي تتشتت فيها السلطة. وكتب أن الهياكل الهرمية تشجع عقلية الفوز والخسارة التنافسية، في حين أن هياكل المجموعات تشجع التعاون.

قابل عدم الثقة بالثقة: الأشخاص الذين اعتادوا على عدم الثقة سيقاومون صداقتك لأنهم يفترضون أنك ستخونهم في النهاية. إذا واصلت الظهور أمامهم بعد رفضهم لك، فسيغير ذلك حياتهم في النهاية. من الصعب بناء الثقة في مجتمعات متنوعة: على مدار العقد الماضي، تعلّمنا أن مهاراتنا الاجتماعية غير كافية لنوع المجتمع المعقد الذي نعيش فيه. وهكذا، ظهر تدهور الثقة بين الأشخاص كواحد من أكبر التهديدات لمستقبل أميركا.. إن إعادة بناء الثقة لا يتعلق بالنوايا الحسنة فقط، بل بالسلوكيات الملموسة أيضاً.

*كاتب أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»