ابتكار أدوية جديدة لعلاج المصابين بفيروس كورونا خطوة كبيرة ثانية في عملية مواجهة جائحة حصدت أرواحاً وعطلَّت أعمالاً. كان تطوير لقاحات للحد من انتشار الفيروس خطوة أولى بعثت الأمل في إمكان الخلاص من الجائحة. فلم يكن متصوراً حتى مطلع الخريف الماضي أن يُبتكر لقاح قبل نهاية 2021. لكن لم تمض أشهر حتى بُدئ في إنتاج عدة لقاحات، فضلاً عن تحقيق تقدم متفاوت في التجارب على عدد آخر أكبر. وبعد أشهر قليلة أخرى ابتُكر دواء «سوتروفيماب-فير» الذي كانت دولة الإمارات الأولى في العالم التي قررت استخدامه في آخر الشهر الماضي، فور اعتماده عن طريق هيئة الغذاء والدواء الأميركية. ويعتمد هذا الدواء على تقنية يُرجح أن تجعله فعَّالاً في مواجهة النسخ المتحورة من الفيروس حتى الآن، بما فيها النسخة الهندية.
ولهذا أصبح ممكناً بعد نحو 15 شهراً على تفشي الفيروس، وإعلان منظمة الصحة العالمية أن انتشاره بلغ مستوى الجائحة، التطلع إلى الخلاص من أكبر مأساة صحية عصفت بالعالم منذ نحو قرن. لم يكن تطوير لقاحات كافياً لإثارة هذا السؤال. فبرغم أن حملات التلقيح بها أحدثت فرقاً ملموساً في عدد متزايد من الدول، بقي القلق مستمراً وإن بمعدلات أقل. وليس أدل على ذلك من الخلاف المُثار في بعض الدول التي أمكن تطعيم معظم البالغين فيها بشأن إمكان التخلي عن الإجراءات الوقائية. ولهذا، بقيت علامة الاستفهام الأساسية قبل الدواء الجديد موضوعة أمام سؤال آخر هو: متى يمكن الخلاص من الجائحة؟
وهذا أمر طبيعي، لأن تعاطي أي لقاح لا يمنع العدوى، وإنما يُخفِّف من أعراضها بدرجة أو بدرجات حسب الحالة الصحية لكل شخص. فوجود دواء، إذن، ضروري لإكمال حائط الدفاع الذي بُدئ في بنائه بوساطة اللقاحات.
ومن هنا أهمية ابتكار دواء سوتروفيماب-فير، في الوقت الذي يواصل عدد كبير من العلماء في العالم العمل من أجل ابتكار عقاقير أخرى. فعلى سبيل المثال، حقق علماء في جامعة إيموري ومعهد جورجيا للتكنولوجيا تقدماً في محاولة تطوير دواء جديد يعتمد على تقنية الحمض النووي الريبي المُستخدمة في لقاحي «فايزر-بيونتيك» و«مودرنا».
وتُجرى الأبحاث والتجارب الهادفة إلى ابتكار أدوية جديدة، بالتوازي مع مواصلة اختبار عقاقير تُستخدم لعلاج أمراض أخرى لبحث مدى قابليتها في تخفيف أعراض الإصابة بالفيروس. وقد جُرب بعضها ضمن بروتوكولات العلاج في دول عدة. ومن أشهر الأدوية التي جُربت واختُلف على مدى فاعليتها، عقار «ريمديسفير» الذي يُستخدم في علاج أمراض تُسبِّبها فيروسات أخرى، وعقار «كلوركين» ومشتقاته المستخدمة لعلاج الملاريا وأمراض مناعية.
ويُجرى الآن بحث كبير في جامعة نورث إيسترن الأميركية على عدد ضخم من الأدوية الموجودة من قبل باستخدام تقنية بالغة التقدم تعتمد على الذكاء الاصطناعي، لبحث شبكة التفاعلات التي تحدث عندما يدخل فيروس كورونا جسم الإنسان، وهل يستطيع أي من الأدوية المُختبرة تعطيل هذه التفاعلات من عدمه.
وقد بدأ هذا البحث باختبارات أولية على خلايا أحد أنواع القردة. وشملت المرحلة الأولى نحو سبعة آلاف دواء تُستخدم لأغراض مختلفة، وانتهت باختيار أفضلها أداءً لاختبارها على خلايا بشرية، قبل الانتقال إلى مرحلة التجارب السريرية. مسعيان متوازيان، إذن، في السعي إلى علاج يُنهي الجائحة، ويجعل فيروس كورونا تحت السيطرة، مثله في ذلك مثل الفيروسات المُسببة للإنفلونزا الموسمية، وأمراض أخرى قلّت خطورتها بعد ابتكار أدوية لمعالجتها. ولكن النجاح في تطوير «سوتروفيماب-فير» ربما يحفز على تركيز الجهود في المرحلة المقبلة في اتجاه السعي إلى ابتكار أدوية جديدة أخرى، لكونه أكثر جدوى في التعجيل بالخلاص من الجائحة.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية