وزارة العمل قبل أن يتغير اسمها إلى وزارة الموارد البشرية، طبقت بقرارات استراتيجية سياسة أطلقت عليها «التنوع الثقافي» عند استقدام العمالة الوافدة، وهو تعبير حضاري يعني في المقام الأول ضمان عدم ترجيح كفة جنسية على حساب أخرى في مواقع ومؤسسات وشركات القطاع الخاص. وقد لمسنا أثر ذلك في المشهد الحالي لسوق العمل وقطاعاته في الدولة. المكان الوحيد الذي فشلت فيه تلك السياسة وبامتياز مع مرتبة الشرف هو سوق الأسماك في طول البلاد وعرضها.
عندما كان يحرص برنامج البث المباشر من إذاعة وتلفزيون نور دبي والذي يقدمه الزميل راشد الخرجي «أبو عمر» على تضمينه بثاً مباشراً من سوق السمك، وتعريف المتابعين بالأنواع المعروضة والأسعار، كان بعضهم يتندر على تلك التغطية من دون أن يدرك أبعادها ودلالتها وقيمتها.
 تمثل الأسعار في تلك الأسواق بالنسبة لنا في الإمارات أهمية لا تقل عن أهمية أولئك الذين يتابعون مؤشرات البورصات العالمية أو أسعار النفط؛ لأن الأمر يتعلق بوجبة رئيسة وغذاء يومي على المائدة الإماراتية. وتقلبات الأسعار تكشف الحد الذي وصلت إليه سيطرة جنسية واحدة على هذه التجارة رغم كل المحاولات التي قامت بها الجهات المعنية وكذلك جمعيات الصيادين، وحل وجود النوخذة المواطن على قارب الصيد لم ينجح في كسر حدة ذلك الطوق.
منذ أول سوق نظامي للأسماك غير بعيد عن كورنيش أبوظبي قبل نحو خمسين عاماً وحتى استقراره في موقعه الحالي بمنطقة الميناء، تابعت كيف خرج العنصر الإماراتي من السوق لصالح التجار والباعة الآسيويين، وأصبح وجوده رمزياً كدلال في المزاد الصباحي. 
وكلما ذهب المرء للسوق هذه الأيام، يعود مذهولاً من المبالغة في أسعار الأسماك التي يقترب ثمن بعض «المن»، منها من سعر ذبيحة!! ويحاول البائع الآسيوي الرد على همهمات «كبار المواطنين» عن جنون الأسعار بقوله «فيه واجد حر» حتى لا يذهبون بعيداً في تساؤلاتهم، كما ذهبت الأسماك بعيداً نحو المياه العميقة.
حالة أسواق السمك اختصار لقضية شائكة تركناها للأيام والسنين حتى تعقدت وتجذرت وتعمقت، بحيث استعصت على الحل، كما يبدو لنا جميعاً، واليوم مع تحرير الاقتصاد والتجارة، وأصبحت أعقد من مجرد «دكة» و«بسطات»؛ لأنه اعتراف بفشل كل المقاربات والمعالجات التي تمت على امتداد كل العقود الماضية، وعدم جدية المتابعات لتجارة هي منجم ذهب بحد ذاتها بخلاف كونها من صميم الأمن الغذائي رغم «التنوع الثقافي».