لا ينقضي عجب قارئ مذكرات رئيس الوزراء الأردني الأسبق مضر بدران من جرأة كاتبها في الحديث عن واحدةٍ من أكبر الأزمات التي مرت بالمنطقة والعالم، خلال الغزو العراقي للكويت في حرب الخليج الثانية 1990.
لم تزل الأسئلة تتوالى دون إجابات على تلك الأسئلة التي أثارها نشر هذه المذكرات، عن توقيت النشر؟ وما الفائدة من ذلك.
ينقل بدران أكذوبة محمد حسنين هيكل حين سمّى الهزيمة النكراء في عام 1967 بـ «النكسة» وهو يقتفي فكر هيكل وطروحاته السياسية المهترئة ضد دول الخليج وضد الملَكيات العربية، حاول هيكل من قبل ويحاول بدران من بعد إعادة رواية التاريخ وكأن التاريخ ملكٌ شخصيٌ له أو روايةٌ تنفع للاستهلاك المحلي ولا يعلم عنها الآخرون شيئاً.
تناسى بدران التحالف الذي أسسه صدام حسين تحت مسمى «مجلس التعاون العربي» والذي فضح أهدافه كثيرون من أهمهم الرئيس المصري العظيم الأسبق محمد حسني مبارك الذي خرج من ذلك المجلس المشؤوم وانحاز للعدل ووقف مع أشقائه في الكويت ودول الخليج. والسيد بدران كان رئيس وزرائه حينها.
يتحدث بدران عن قصف صدام لإسرائيل بثمانية صواريخ ولكنه يتجاهل تماماً أن صدّام قد قصف السعودية بصواريخ أكثر من ذلك.
ومن بين ما نشرته في مذكراته، القول: «كنّا على يقين بأن صدام حسين لن يضرب جيشاً عربياً، لكنه سيدمر أي جيش أجنبي وسيشتبك معه» المشكلة فقط هي أن يعيد التذكير بعد ثلاثة عقود بالموقف السياسي الخطأ، فصدام استهدف الجيش الكويتي وقتل وسفك دماء الشعب الكويتي الأعزل قبل هذا الموقف المعيب من السيد بدران.
لم يزل بدران يروّج لأكاذيب صدام وربطه بين انسحاب صدام من الكويت وانسحاب إسرائيل من الضفة الغربية والقدس، وهو الربط الصارخ في يعكس عداءً للكويت ودول الخليج.
السيد بدران يذكر بالتفصيل نصائحه لصدام وقادته العسكريين ويضيف دعمه الكامل لهم في مواجهة الكويت والسعودية ودول الخليج والتحالف الدولي، ثم يقول: «وهو ما استمعنا إليه من (مارجريت تاتشر) والتي كانت تمتلك عقلية ديكتاتورية كاملة»، هكذا كتب وكأن عقلية صدام كانت ديمقراطية سلميةً بالكامل، ونسي أن نصائح تاتشر للأردن كانت صادقةً ولو تبعها لسلم من كثير من التبعات السياسية والاقتصادية.
من أكبر الخونة إبان غزو صدام للكويت كانت جماعة الإخوان المسلمين الأم وخصوصاً فرع الجماعة في الأردن التي تسعى دولة الأردن اليوم أن تحظرها وتمنع شرورها عن الشعب الأردني فقد تجلت خيانة الجماعة بكل فروعها أثناء احتلال الكويت من تنظيم الإخوان الكويتي والدولي والأردني تحديداً، وها هو السيد بدران يقول: «أشركت نواب الحركة الإسلامية في حكومتي»!
مذكرات الساسة لا تمحو ذكريات البشر، فلم أنس شخصياً بعد دوي صفارات الإنذار في عاصمة السعودية الرياض وقد قدت سيارتي في إحدى تلك الليالي أتتبع دوي الانفجار حتى وقفت على أحد صواريخ صدام وقد هدم جزءا من أحد المباني والدخان لم يزل يتصاعد منه وهو مشهد لا يمكن أن أنساه ما حييت. وأقول إن السعودية لم يقصفها أحد سوى عبدالناصر وصدام و«الحوثي»، لا إسرائيل.
أخيراً، فيا سيد مضر بدران ليتك اخترت الصمت عن أخطاء سياسية بدلاً من تكرار الإشارة إليها. 

* كاتب سعودي