مع بلوغ عدد حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19 قرابة 180 مليوناً، وشفاء ما يزيد على 160 مليوناً منهم، ظلت نسبة لا يستهان بها من هؤلاء، يقدرها البعض بـ 10%، تعاني من الحالة المعروفة بكوفيد-19 طويل المدى، أو منظومة كوفيد-19 المزمنة. وهي حالة تتميز بمضاعفات صحية مزمنة، تستمر بعد انتهاء فترة النقاهة التالية للإصابة بفيروس كوفيد-19. بمعنى، أن المصابين بالفيروس، بعد شفائهم، واكتمال نقاهتهم، يظل بعضهم يعاني أعراضاً متنوعة ومتعددة لفترة طويلة. هذه الأعراض قد تشمل الشعور الدائم بالإرهاق، والصداع، وضيق النفس، وفقدان حاسة الشم، ووهن وضعف العضلات، والحمى المنخفضة، وأحياناً تراجع القدرات العقلية الذهنية.
تنوع وتعدد طبيعة هذه المضاعفات، وتأثيرها السلبي على الحياة اليومية للملايين ممن شفوا من مرضهم، جعل من الضروري والهام توفير برامج طبية لإعادة تأهيل هؤلاء من خلال نظم الرعاية الصحية الوطنية. حيث يمكن لهذه البرامج أن تساعد مثلاً على استعادة القدرة على التنفس بشكل طبيعي، وخصوصاً لمن تم حجزهم في المستشفيات لفترات طويلة. في هذه الحالات، تستهدف برامج التأهيل مساعدة الشخص على النوم والجلوس والحركة، في وضعيات تقلل من تعرضه لنوبات قصر النفس، بالإضافة إلى توجيهه للممارسات التي يمكنها أن تقلل حدة هذه النوبات، وأن تقصّر من وقتها. وغالباً ما تشمل هذه البرامج تمارين رياضية أيضاً، لاستعادة القوة العضلية واللياقة البدنية. كما تستهدف برامج التأهيل، اضطرابات الصوت والكلام للناقهين من كوفيد-19، وكيفية التعامل مع التأثيرات السلبية التي يسببها المرض على القدرة على الأكل والشرب والبلع.
ومن أهم مضاعفات كوفيد-19 طويلة المدى التي تحتاج برامج تأهيل طبي من أجل تخفيف آثارها، تلك المتعلقة بالذاكرة والقدرة على التركيز والتفكير بوضوح. فالملاحظ منذ بداية الوباء الحالي، أن المرضى الذين يتعرضون للمضاعفات الخطيرة للمرض، وخصوصاً من تستلزم حالتهم وضعهم على أجهزة تنفس صناعي في أقسام العناية المركزة، يظلون يعانون من صعوبات في التركيز والانتباه، والذاكرة، وفي التفكير بوضوح، واتخاذ القرارات السليمة. هذه الصعوبات قد تختفي في خلال أسابيع أو شهور، وإن كانت قد تلازم البعض لفترات طويلة.
والخلاصة أنه بالنسبة لعدد لا يستهان به، لا تنتهي رحلتهم مع المرض بخروجهم من المستشفى، ومن غرف العناية المركزة. حيث لا يكتمل شفاء الكثير منهم، إلا بعد خضوعهم لبرامج تأهيل طبي متخصصة، تمكنهم من استعادة حياتهم السابقة، والانخراط مرة أخرى في المجتمع، والعودة للعمل والإنتاج، بنفس المستوى والقدرات التي كانوا يتمتعون بها قبل مرضهم.
* كاتب متخصص في الشؤون العلمية والطبية.