اعتراض طائرة «ريان إير» وتحويل مسارها داخل المجال الجوي البيلاروسي، يوم الأحد 23 مايو الماضي، يشكّل عملاً مثيراً للتساؤلات من قبل ألكسندرلوكاشينكو، فتحويل مسار طائرة يعتبر عملاً يثير الانتباه ويطرح علامات استفهام عن الأسباب والدوافع. 
الزعيم البيلاروسي يعتقد أن رومان بروتاسيفيتش، وهو صحفي شاب في السادسة والعشرين يعبّر عن آرائه وينشر المحتويات على شبكات التواصل الاجتماعي، يمثّل تهديداً خطيراً بما يكفي لتبرير تحويل مسار رحلة جوية. وبالنظر إلى هذه الأفعال غير المسبوقة، قد يتوقع البعض، أو يدعو إلى فرض عقوبات.
وبشكل عام، يمكن القول إن الوضع سيتطور مستقبلاً وفق ثلاثة عوامل: فمن جهة، سيكون حجم البلدان التي ستتخذ عقوبات في حق بيلاروسيا حاسماً ومهماً للغاية، ذلك أنه إذا كانت البلدان الغربية الوحيدة التي ستتخذ عقوبات في حق بيلاروسيا، فإن لوكاشينكو يمكن أن يخرج من الوضع من دون خسائر كبيرة. أما إذا كانت هذه الحركة العقابية أكبر وشملت جزءاً أهم من «المجتمع الدولي»، فإن من شأن ذلك أن يؤثر عليه أكثر. والعامل الثاني هو دينامية الشعب البيلاروسي،  فالاحتجاجات غير المسبوقة ضد نظام لوكاشينكو في الصيف الماضي، ربما تتواصل بعد هذا الحدث، ولهذا، ينبغي الانتباه إلى تطور هذه الدينامية الداخلية للصراع بين النظام البيلاروسي ورغبة الشعب في التغيير. أما العامل الحاسم الثالث، فهو حجم دعم فلاديمير بوتين: فإلى أي مدى سيستطيع فلاديمير بوتين دعم ألكسندر لوكاشينكو بغض النظر عما يحدث؟ ومتى سيبدأ في اعتبار أن الدعم الذي يقدّمه لألكسندر لوكاشينكو باهظ الثمن ويكلفه غالياً إزاء الشعب البيلاروسي؟
وبالتالي، فإن القضية مثيرة للاهتمام ومحرجة في الآن نفسه بالنسبة لفلاديمير بوتين. أولاً، هي محرجة لأن هذا الأخير سينتظر من جديد ردود أفعال البلدان الغربية. والحق أنه من المحتمل أن يكون لوكاشينكو قد تصرف بشكل منفرد من دون استشارة فلاديمير بوتين. وفي الوقت نفسه، تُعد القضية مثيرة للاهتمام على اعتبار أن الضغوط التي سيتعرض لها لوكاشينكو ستجعله أكثر اعتماداً على روسيا مما كان عليه. والحال أن لوكاشينكو يرغب في الحفاظ على استقلالية نسبية إزاء موسكو، وبالخصوص الإبقاء على قطاعه الصناعي بمنأى عن شهية الشركات الروسية الكبرى. وبالتالي، سيتعين عليه الآن تقديم تنازلات لأنه بات أكثر تعرضاً للضغوط من ذي قبل على الساحة الدولية. 

أما بالنسبة لبوتين، فإن الهدف الأسمى هو ألا تقع بيلاروسيا في الفلك الاستراتيجي الغربي. فهذا من وجهة نظره خط أحمر. والمهم هو أن تبقى بيلاروسيا قريبة من روسيا استراتيجياً، وليس أن يحافظ لوكاشينكو على السلطة. فبوتين لا يدعم نظيره البيلاروسي سوى من أجل الحفاظ على العلاقة بين بيلاروسيا وروسيا. والرأي العام البيلاروسي موالٍ لروسيا، خلافاً لما عليه الحال في أوكرانيا. والآن ونظراً للمشكلات الي تواجه لوكاشينكو في بيلاروسيا، بدأ الدعم الذي يقدّمه له بوتين في إثارة مشاعر مناوئة لروسيا بين الشعب. وهذا يمثّل تحدياً كبيراً بالنسبة لبوتين.
* مدير معهد العلاقات الاستراتيجية والدولية- باريس