حتى لو أجزنا القول: إن ما يطلب من «الأبيض» الإماراتي، لتعويضنا عن حالة الارتجاج التي صاحبت مبارياته الأربع السابقة، في طريقه الوعر والشائك لحيازة تذكرة الحضور في نهائيات كأس آسيا للأمم، والإبقاء على أمل تجديد الوصال مع المونديال، هو الفوز بكل نقاط مبارياته الأربع التي أهداه الاتحاد الإماراتي فرصة لعبها كاملة بمعقله وبين جماهيره، وقد نجح في الظفر بنصفها، من دون أن يقترن ذلك بالأداء الجيد، الذي يعيد الثقة بقدرة «الأبيض» على التحليق عالياً في سماء الحلم، إلا أنه لا شيء على الإطلاق يؤكد أن «الأبيض» سيواصل العزف على نغمة الانتصارات من دون أن يكون أداؤه الجماعي مجوداً ومميزاً.
لا وجود إطلاقاً لفريق يحقق الانتصارات توالياً من دون أن تكون له هوية وشخصية وخطوط طول وعرض تميز تضاريسه التكتيكية، وحتى من نظنهم يفوزون من دون أن يقنعونا، فهم يلعبون بتطابق كبير مع إمكاناتهم البشرية، وأيضاً مع متطلبات المباريات، وعلى الخصوص مع أحجام المنافسين، هم يرتكبون أقل الأخطاء الممكنة عند تدبير أزمنة المباريات.
بالقطع نستبشر بالمحتوى الفني والتكتيكي الذي صاحب مباراتي الأبيض أمام ماليزيا وتايلاند، ونسعد أكثر أن ذلك اقترن بالفوز بالنقاط كاملة وبحصتين عريضتين، ونكاد نتفق أيضاً على أن ما هو مبحوث عنه بالأساس، في المباراتين المتبقيتين أمام إندونيسيا والفلبين هو الفوز ولا شيء غيره، بصرف النظر عن طبيعة الأداء الجماعي، إلا أن ترسيخ العقلية الانتصارية لدى «الأبيض» يجب أن يصاحبها أداء جماعي يحقق مستويات مقبولة من الإتقان والجودة، الإتقان في إنهاء الجمل الهجومية المصاغة بطريقة جيدة والإجادة في تدبير أزمنة التفوق التكتيكي، وعلى الخصوص تحجيم زمن الضياع، والذي يكون فيه الفريق تحت ضغط رهيب من المنافس، ويكون لزاماً عليه أن يقاوم ترهل الأداء.
وقد كانت برأيي المباراة أمام «فيلة» تايلاند مرآة عاكسة لوجهين متناقضين، وجه جميل ظهرت فيه إرادة الأبيض على تحقيق الانتصارات والامتثال لفكر المدرب مارفيك، وهو ما أفرز صحوة هجومية «7 أهداف في مباراتين»، ووجه شاحب ومخيف يعكس حالة الضياع والاختناق التي أبرزتها على الخصوص مباراة تايلاند بعد تسجيل الفيلة هدف تذليل الفارق، وقد كان فيها «الأبيض» بين خراطيم الفيلة مضغوطاً ومرتبكاً، بل وقريباً من إسقاط صرح الأمل الذي بناه بعرقه وجهده.
وعندما يصر مارفيك على النظر تحديداً للنصف الفارغ من الكأس، وهو يحلل فوز «الأبيض» بالثلاثة على تايلاند، ويبدي عدم رضاه على طريقة التعامل مع بعض الجزئيات في فترات بعينها، فإنه يضع «الأبيض» ويضع نفسه أمام طريق طويل لكسب الشخصية النافذة والقوية، ولمنح منظومة اللعب نجاعة أكبر عند إنهاء الهجمة ومناعة أقوى ضد حالات تفسخ الأداء، وإن كان المطلوب اليوم هو إكمال المهمة بتحقيق الفوز في المباراتين الأخيرتين، وما ذلك على «الأبيض» بعزيز.