فرقة جوقة الفرح الدمشقية، انطلقت عام 1977 بحوالي خمسين طفلاً من مختلف الطوائف المسيحية بهدف تأدية أغاني الفرح وتراتيله في أعياد الميلاد المجيدة، واليوم هي فرقة محترفة مكتملة الأداء تضم 500 عضو من عمر سبع سنوات إلى سبعين سنة.
الجوقة التي بدأت من منصة انطلاق مسيحية في تعريف هويتها الذاتية، لم تتقوقع على المعتقد والدين، بل جعلت من مبادئ مسيحيتها المشرقية بمثابة رسالة ثقافية إنسانية، فإلى جانب هدفها المعلن بإحياء الطقوس الكنسية البيزنطية، والمحافظة عليها ونشر ترانيمها، وهي مهمة أراها وطنية في مشرقنا العربي وبلاد الشام تحديداً، فجوقة الفرح الدمشقية أيضا تسعى لإحياء ترانيم دينية عربية عامة تخاطب كل مؤمن بالله إلى جانب إحياء التراث الموسيقي العربي. وفي أهدافها المعلنة وأدبياتها المنشورة، تهدف جوقة الفرح في المحصلة إلى إنشاء خط يتبنى قضايا الإنسان عامة والإنسان العربي خاصة، بإنشاد ما يعود له من حقّ في الحياة والكرامة والحرية والفرح.
لا أعرف جوقة الفرح بشكل شخصي، وكل ما أعرفه قراءات استطعت الحصول عليها من هنا وهناك، كمعجب بالموسيقى التراثية المشرقية العربية، وتقديمي لها بهذا الشكل ترويج للموسيقى التي نحتاجها لتهذيب كل هذا الغضب الكامن فينا وفي جغرافيا حلت عليها لعنة المقدس المنغلق، وقد نسيت تلك الجغرافيا أنها أصل كل مقدس منفتح على الإنسان.
يوجعني كمشرقي قادم من بلاد قدمت للعالم أوراق اعتماد الإيمان بمختلف صياغاته الدينية، كما قدمت للعالم فنون الموسيقى بأبهى اكتمالها الشرقي، أن أجد فرقاً موسيقية عربية أو فنانين عرباً يتم الاحتفال بهم بكل فرح في كل أنحاء الكوكب، بينما هم في عالمنا العربي أسرى صناعة ترفيه تلفزيوني لا أكثر، فلا يجدون مسارح ولا منصات مفتوحة لتقديم كل هذا الفرح.
وأذكر جيدا مثلاً، أن فنانة ملتزمة ومثقفة مثل مكادي نحاس، ألهبت مسارح بروكسل وغنت وأمستردام، بتقديمها تراث الشام والعراق وبحفلات مشتركة مع فرق ومغنين أوروبيين، لكنها لم تستطع اختراق حملات العلاقات العامة في صناعة الترفيه العربي، ومثل مكادي نحاس كثيرون.
جوقة الفرح الدمشقية التي تهدف إلى الانفتاح، دأبت منذ مطلع الألفية على مبدأ مشاركة أمسيات إخاء مسيحي إسلامي مع رابطة منشدي مسجد بني أمية، التي أسسها المرحوم الشيخ حمزة شكور، أحد أهم المنشدين الصوفيين والذي وجد في الأب إلياس زحلاوي مؤسس جوقة الفرح تلك الشراكة في نشر البهجة والفرح.
لقد أُنفقتْ ملايين من الأموال وسُفحت كثير من غالونات الحبر في مشاريع حوار الحضارات والأديان، وحتى اليوم لا نجد نتيجة حقيقية ملموسة في هذه الحوارات يمكن التعويل عليها بقدر ما نجدها في مشاريع الموسيقى التي توحد اللغات، وتعيد الإنسان فينا إلى الواجهة بكل إنسانيته.
لقد عبر سيد المسرح الإنجليزي وليام شكسبير عن عظمة تأثير الموسيقى في رائعته التاريخية الخالدة «يوليوس قيصر»، وتحديداً في حوارية بين قيصر وربيبه أنطونيوس يستعرضان فيها أسماء من يمكن أن يتورطوا في اغتيال القيصر، فتوقفا عند اسم «كاسيوس»، وحينها قال أنطونيوس لقيصر : «إحذر كاسيوس يا سيدي، احذره كثيرا، فهو لا يحب الموسيقى»!
* كاتب أردني مقيم في بلجيكا