يقال إن الأزمات هي معيار بقاء الحضارات أو زوالها، وأن إدارة الأزمات برهان قوتها أو ضعفها. وخلال اشتداد أزمة كورونا وارتفاع معدل الحالات في العالم، وخلال الخطر الداهم الذي واجهته الدول الكبرى والصغرى في العالم.. بقيت دول الخليج في حالة استقرار ومعدلات انتشار معقولة نسبياً وإدارة حكيمة للأزمة، ما شكّل أنموذجاً لتفوق الخدمات وأولوية الإنسان بلا منازع في منطقة الخليج كافة.
ولطالما كانت منطقة الخليج محط انتقاد من بعض الإخوة في الجوار، سواء على المستوى الشعبي أو النخبوي أو السياسي، وكان آخر ذلك ما صرّح به وزير الخارجية اللبناني المُقال شربل وهبة حين وصف محاوره السعودي بأنه من «بلاد البدو»، وهي تصريحات كانت سبباً في استقالته جراء غضب وانتقادات خليجية شعبية من ذلك التصريح الفارغ، دون لجوء الرسميين الخليجيين إلى أية تصريحات مضادة، بل كان ضبط النفس والتعامل بأعلى درجات الدبلوماسية سمةً بارزة لحكومات الخليج بشكل عام، وللحكومة السعودية بشكل خاص إزاء تلك التصريحات التي لم تضر سوى الوزير نفسه ومن سلك دربه العدائي ضد دول الخليج وشعوبها. وردات الفعل هذه تشكل قمة التحضر والتعامل الدبلوماسي الرفيع من الدول الموصوفة كذباً على لسان «وهبة» بذلك الوصف.
أما من ناحية إدارة الأزمة الوبائية أثناء كورونا، فقد كانت دول الخليج من أنجح الدول في احتوائها، ومن أوائل الدول التي وفرت اللقاحات لشعوبها، بل وتهافت عليها من كان يصفها بدول الخيام والبدو والجِمال ليتلقوا اللقاح الذي لم توفره دولهم وحكوماتهم!
سخّرت دول الخليج كامل إمكانياتها وطاقاتها البشرية وكوادرها الطبية في خدمة الإنسان ومن أجل جعله على رأس أولويات قياداتها، حيث بادرت دول الخليج بوضع جميع الاحترازات الطبية في إطار إداراتها الاستباقية ومبادراتها السريعة، فنجحت في احتواء الأزمة قبل إعلان منظمة الصحة العالمية عن تصنيف الفيروس جائحةً عالميةً.
العمل التكاملي الذي قامت ولا زالت تقوم به دول مجلس التعاون الخليجي ممثلةً في الأمانة العامة للمجلس عمل رائد وجبار ينطلق من مبدأ الأخوّة والتكاتف في السراء والضراء. وأثناء أزمة كورونا كان للأمانة العامة دور كبير في رصد وتوثيق جهود دول المجلس لمواجهة الجائحة، وذلك بإنشاء قاعدة بيانات مشتركة، مع تسهيل الوصول للمعلومات والتواصل مع المعنيين بمتابعة شؤون المجلس في الوزارات والمؤسسات والقطاعات الصحية واتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية لإدارة أية تراجعات متوقعة سواء على مستوى الطاقة أو الأمن الغذائي أو الطواقم الطبية بكافة معداتها.. وكل ذلك إيماناً من دول مجلس التعاون بأهمية العمل الجماعي في مواجهة التحديات التي لا يمكن السيطرة عليها إلا من خلال العمل المشترك، فكانت اختباراً حقيقياً لمبدأ التضامن الذي أقرته دول مجلس التعاون، وهو المبدأ ذاته الذي أقرته دول الاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو» وتنصلت منه إبان الجائحة. 

لم يتوفر توافق داخل منظومتي «الناتو» والاتحاد الأوروبي للتصدي للجائحة، بل برزت حالة من التنافس بين دول المنظومتين للحصول على المستلزمات الطبية بشكل لافت، بينما قدمت دول الخليج نموذجاً رائعاً للعمل الجماعي الخليجي للتعامل مع الجائحة، وهو ما عكسته الاجتماعات الوزارية ودون الوزارية التي استهدفت التنسيق والتشاور بشأن سبل التعامل مع تداعيات الأزمة. وبذلك ضرب مجلس التعاون الخليجي أروع الأمثلة في العمل المشترك لاحتواء الأزمة!

وفي الواقع تعد أزمة كورونا تجربة فريدة لدول الخليج أبرزت مدى تقدم هذه المنطقة وتحضر قياداتها ووعي شعوبها واستجابتهم جميعاً للإجراءات الاحترازية الضامنة لسلامتهم وللتحكم بمعدلات انتشار الجائحة، فكانت تلك التجربة، وبقدر فزع العالم منها، فرصة لتطميننا على مستوى وعي مجتمعاتنا وقوة دولنا.


*كاتبة سعودية