كان من المفترض أن تحل عملة مشفرة محل العملة الإلزامية التي تصدرها الحكومة في حياتنا اليومية. لكن هذا لم يحدث. وبعضهم مازال يؤكد أن بتكوين أو ايثريوم أو ربما عملة مشفرة تطرحها الصين ستحل قريباً محل الدولار كعملة عالمية. ومن غير المرجح للغاية أن يحدث هذا، لأنه من الصعب أن تقوم عملة بدور العملة العالمية ما لم تعمل كنقود عادية أولاً. لكن من الممكن قطعاً أن يزحزح شيء ما، ذات يوم، الدولار عن هيمنته الحالية.
ولنبدأ بالأهم. هيمنة الدولار أمر واقع. وهذه الأيام تمثل أميركا أقل من ربع الإنتاج المحلي الإجمالي للعالم، بأسعار السوق، والنسبة تقل عن هذا قياساً على الاختلافات القومية في كلفة المعيشة. لكن الدولار الأميركي يهيمن على تجارة العملة. فحين يريد بنك تبديل عملة «ريجنت ماليزيا» مقابل «سول» بيرو، فهو يقايض عادة «الريجنت» مقابل الدولار أولاً ثم يقايض الدولار مقابل «السول». وكثير من تجارة العالم تحرر فواتيرها بالدولار؛ أي أن العقد يكتب بالدولار والتسوية تتم بالدولار. والدولار يمثل 60% من الاحتياط الرسمي من العملة الأجنبية وهي الأصول بالعملة الأجنبية التي تحتفظ بها الحكومات حتى يمكنها التدخل لتحقق الاستقرار في السوق إذا لزم الأمر. 

وهذا مهم، فالدولار هو نقود العالم بمعنى ما، ومن الطبيعي الإدعاء أن هذا يعطي الولايات المتحدة ما وصفه وزير مالية فرنسي بأنه «امتياز هائل»؛ أي القدرة على شراء أشياء بمجرد طبع دولارات يتعين على العالم قبولها. ومن حين إلى آخر، أطالع مواد صحفية تؤكد على أن الدور الخاص للدولار يقدم لأميركا قدرة فريدة على زيادة العجز التجاري عاماً بعد عام، وهو خيار ليس متاحاً للدول الأخرى. غير أن هذا غير صحيح وكفى. صحيح أن أميركا تراكم دوماً عجزاً تجارياً، لكن استراليا لديها عجز أكبر وبريطانيا تشهد تذبذبات لكنها تعاني أيضاً من عجز كبير في المتوسط. فليس لنا خصوصية في هذا الصدد.

لكن، ألا يمكننا الاقتراض بسعر أرخص لأن الدولار هو المهيمن؟ وإذا صح هذا، فالتأثير دقيق إلى حد كبير. فسندات الخزانة الأميركية لمدة عشر سنوات تدر 1.6% ونظيرتها البريطانية تدر 0.8% ونظيرتها اليابانية تدر 0.07%. وهناك عوامل كثيرة تؤثر على كلفة الإقراض، لكن البيانات لا توضح مدى تأثير حقيقة كون الاسترليني والين ليسا عملات عالمية كبيرة. فالجنيه الاسترليني يستخدم الآن كعملة دولية أساسية. ولم يحل الدولار محلها كعملة احتياط أجنبي إلا عام 1955. وظل الاسترليني يلعب دوراً كبيراً حتى نهاية ستينيات القرن الماضي، لكن دوره تبخر سريعاً. وبحلول عام 1975 أصبح الجنيه مجرد عملة عادية لدولة متقدمة تستخدم محلياً وليس خارج البلاد. لكن هل تضررت قيمة الجنيه كثيراً حين حدث هذا؟ لا لم يتضرر. 

فقد أصبح الجنيه بصفة عامة أقوى منذ أن توقف عن كونه عملة عالمية كما كان من قبل. وهذه أمور ليست غامضة للغاية وربما تنعكس في الدور المتواصل للندن كمركز مالي عالمي في عصر العولمة المالية. لكن من الصعب العثور على أدلة على أن فقدان المكانة العالمية للعملة قد أحدث فارقاً كبيراً. فهل مكانة الدولار بلا صلة تماماً؟ الإجابة بالنفي، لأن شعبية الدولار تمنح أميركا صناعة تصدير فريدة، وتتمثل تحديداً في الدولارات نفسها، أو أكثر تحديداً، في الورقة النقدية فئة 100 دولار التي عليها صورة بنيامين فرانكلين. 
النشاط الاقتصادي العادي حالياً رقمي إلى حد كبير وكثيرون من الأميركيين نادراً ما يستخدمون أوراق النقد. ومع الأخذ في الاعتبار هذا الواقع المعاش، نندهش من مقدار النقود المتداولة، فهناك أكثر من تريليوني دولار، أي أكثر من ستة آلاف دولار لكل واحد من سكان الولايات المتحدة. فيما يستخدم كل هذا النقد؟ أحد النقاط التوضيحية المهمة تتمثل في هيمنة أوراق النقد الأميركية في الخارج. وورقة بنيامين فرانكلين التي لا يمكن استخدامها إلى حد كبير في المتاجر هي الأكثر هيمنة في الخارج. وتستخدم عادة في مدفوعات لا يريد الأشخاص تعقبها بسهولة لأنهم يستخدمونها في صفقات غير قانونية عادة. 

وهنا يلعب الدولار دوراً خاصاً. فكميات أوراق النقد كبيرة الفئة المتداولة من عملتنا أكبر من الدول الأخرى، مقارنة بحجم اقتصادنا. ففي عام 2016، كانت قيمة أوراق النقد الأميركية المتداولة ذات الفئة الكبيرة أكبر بنسبة 6% عن الإنتاج المحلي الإجمالي. والرقم المقابل في كندا بلغ ثلث هذه النسبة فحسب. ومن شبه المؤكد أن السبب الرئيس لهذا التفاوت هو أن ورقة الفئة 100 دولار يجري الاحتفاظ بها في الخارج. ورغبة الأجانب في امتلاك النقد الأميركي يعني أن العالم يقرض الولايات المتحدة كميات كبيرة من النقود، ما يعادل ربما تريليون دولار من دون فائدة. وهذا ليس مقداراً كبيراً، حين تكون أسعار الفائدة منخفضة كما هي الآن لكن في الماضي كانت هذه المبالغ تساوي ما يعادل 0.25% (ربع نقطة مئوية) من الإنتاج المحلي الإجمالي. 
أميركا تحصل على بعض المزايا بالفعل من الدور الخاص للدولار لكنه لا يمثل تقريباً عماداً أساسياً للقوة الأميركية. واستخدام الدولار كأداة أساسية في الأنشطة غير القانونية في العالم ليس دوراً كريماً. فهل من الممكن أن يفقد الدولار هيمنته في نهاية المطاف؟ نعم. وهل سيكون للأمر أهمية؟ ليس بقدر ما لاحظت.
*أستاذ اقتصاد أميركي حاصل على جائزة نوبل.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز» 
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/05/28/opinion/us-dollars-currency.html