«مواجهة الجائحة هي سياسة اقتصادية، ذلك أنه لا نهاية للأزمة الاقتصادية من دون نهاية الأزمة الصحية». هكذا وصف صندوق النقد الدولي الآثار المترتبة على جائحة كورونا منذ الإعلان عنها في مارس 2020، وحسب مرصد جامعة جونز هوبكنز الأميركي فقد أصابت كورونا حتى قبل أيام زهاء 172 مليون إنسان، فيما أودت بأرواح أكثر من ثلاثة ملايين وسبعمائة ألف، مع فقد أكثر من 500 مليون وظيفة معظمها في قطاع السياحة، أما الناتج الإجمالي العالمي فقد تراجع في غضون عام ونصف العام فقط، وزاد عن 16 تريليون دولار، وإذا استمرت الجائحة وتفاعلاتها فإن الخسائر ستتراكم وتتضاعف بما لا يمكن احتماله.
ولأنه لا يمكن استمرار الوضع على ما هو عليه، فقد أعلنت بعض الدول قبل أيام عن برامجها بشأن إعادة الحياة فيها إلى الحد الأدنى مما كانت عليه قبل انتشار الفيروس، وغداً من المفترض أن تعلن دول الاتحاد الأوروبي عن خططها المرتبطة بهذا الشأن مع الإبقاء على بعض الإجراءات الاحترازية الضرورية.
شهور طويلة وقاسية مرت على العالم أجمع، بين بشر ودول واقتصادات، وضاق الناس ذرعاً وعجزاً مما آلت إليه الأمور، بل قادة العالم أيضاً عاشوا ويعيشون تلك الحالة، خصوصاً وأن الآثار الاجتماعية والصحية والنفسية والاقتصادية التي خلّفها الفيروس تعتبر كارثية بمختلف المقاييس، فالكساد الاقتصادي الذي لم يشهده العالم منذ ثلاثينيات القرن الماضي خيم بأجوائه على الجميع ومن دون استثناء.
الكساد العالمي كان هو الدافع الأساسي وراء قرار الدول التي بدأت بتفعيل خطط استعادة الحياة، أو تلك التي ستعلن عنها قريباً كدول الاتحاد الأوروبي التي تتطلع إلى إعادة العجلة السياحية إلى الدوران ضمن الاتحاد الأوروبي على الأقل أملاً بإنعاش اقتصادات منطقة اليورو، التي تضررت بشدة، ذلك أن التدابير الصحية فيها تسببت في تراجع إجمالي الناتج المحلي في جميع دولها.
غير أن خطوة الانفتاح وعودة الحياة إلى ما كانت عليه مشوبة بحذر وقلق شديدين في ضوء ما جرى وما يزال يجري في عدة مناطق من العالم، إلى درجة دفعت منظمة الصحة العالمية إلى التحذير من الفترة الحالية، معتبرة أنها ليست مثالية لتخفيف الإجراءات، في حين نبّه مدير الفرع الأوروبي للمنظمة إلى أن تجاوز الجائحة لن يكون قبل تطعيم 70% من سكان العالم على الأقل، مع العلم أن وتيرة التحصين لا تزال بطيئة جداً، وهو ما يزيد من احتمالية شدة عدوى النسخ المتحوّرة من الفيروس.
وعلى الرغم من التفاؤل بمدى إمكانية التغلب على الفيروس إنْ تم قطع شوط لا بأس به على مستوى التطعيم واستمرار الشركات في إنتاج المزيد من اللقاحات المُضادة للفيروس، إلا أن ما يحصل في الهند يؤكد أن الوضع سيئ جداً. إن عدد اللقاحات المنتجة حول العالم بلغ ملياري لقاح، والأمل معقود على إنتاج بين 11 و12 مليار حتى نهاية 2021. لكن الأهم من ذلك توافر حوالي 5 مليارات و800 ألف لقاح لتطعيم البالغين حول العالم. لكن ماذا إن صدق المحللون بشأن انحسار التفاؤل بسبب عدم تعافي الطلب على الوقود، وبالتالي بعدم انتظام طرح لقاحات الفيروس عالمياً؟
إن الوعود لا تكفي في مثل هكذا حالات، خصوصاً وأن الدول الفقيرة والأخرى ذات التعداد السكاني الكبير جداً – وما أكثرها - تعاني من عدم توافر اللقاحات فيها، بالإضافة إلى عدم وجود عدالة في توزيع اللقاحات التي تحصل عليها، والمشكلة تكمن في التمركز الجغرافي لمواقع التصنيع، إلى جانب ارتفاع أسعار اللقاحات على اختلاف أنواعها، ومسألة أخرى لا توضع غالباً في الحسبان، وتتمثل في مدى فاعلية اللقاحات مع أنواع الفيروس المتحور.
أمور كثيرة يمكن أن تقوض الجهود الدولية، التي وُضعت واتُخذت، وتدمّر بالتالي خطط الإنقاذ أو خطط إعادة الحياة إلى ما كانت عليه. فالفيروس- بالنسبة لنا نحن عامة البشر- ما يزال مجهول المستقبل، ولا نعلم مدى إمكانية سيطرته على حياتنا ثانية.. إنها حرب لم نشهد لها مثيلاً من قبل.