منذ بدء تفشي فيروس كورونا المستجد نهاية العام 2019 على مستوى العالم والأنظار مصوبة على مدى فعالية ونجاح حكومات الدول على اختلافها في التصدي لمخاطر تلك الجائحة والتقليل من آثارها على صحة الإنسان والاقتصاد وسرعة التعافي منها. وقد استطاعت دولة الإمارات العربية المتحدة أن تقف ضمن قلة قليلة جداً من دول العالم، والتي استطاعت مواجهة تلك الأزمة والعمل على عدم بلوغها مرحلة «الكارثة» كما حدث في العديد من البلدان. 

أضف إلى ذلك، النجاح في طرح مبادرات جاءت ثمرة لتنسيق وتعاون الجهات الوطنية أثناء الاستجابة للجائحة، وكان لتلك المبادرات الأثر البالغ في خدمة المجتمع أثناء مرحلة التعافي من آثار كوفيد - 19. ومن ضمن عوامل ذلك النجاح، الرؤية الاستراتيجية للقيادة ممثلة بحكومة الدولة والتي تنبهت منذ العام 2007 إلى أهمية الاستعداد للاستجابة لمختلف أنواع المخاطر، فأنشأت الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث ضمن منظومة الهيكل التنظيمي للمجلس الأعلى للأمن الوطني. 

وتقوم تلك الهيئة منذ ذلك التاريخ بترسيخ منظومة وطنية متميزة ومتفردة يكاد لا يوجد مثيل لها على المستوى العربي أو الإقليمي، وتشمل تلك المنظومة مراحل التخطيط والاستعداد والاستجابة والتعافي من الطوارئ والأزمات والكوارث. وليس المقصود هنا بالتفرد والتميز وضع تلك المنظومة في قانون فقط، بل كيفية عمل كافة أجهزة ومؤسسات الدولة جنباً إلى جنب بعزيمة واحدة ورؤية مشتركة وإيمان راسخ بأهمية التعاون والتنسيق تحت إشراف جهة وطنية واحدة من أجل تحقيق أهداف تلك المنظومة والنجاح في ذلك.
وهنا يبرز عامل آخر من عوامل النجاح للتصدي لجائحة كوفيد-19، وهو خطط ومبادرات كافة الجهات الصحية في الدولة في إطار الاستعداد للاستجابة للمخاطر الصحية، ومن أبرزها الأوبئة المعدية والتي تضم فيروس كورونا. 

وقد قامت وزارة الصحة ووقاية المجتمع وكافة الجهات الصحية المحلية بوضع خطط الاستجابة وتنفيذ برامج التدريب عليها بجانب المشاركة في التمارين الوطنية للتأكد من سلامتها، ولكن، وكما ذكرت آنفاً، فإن التميز والتفرد الحقيقي ليس بكتابة الخطط، وإنما بتوحيد الجهود وتعاون أكثر من جهة من خلال طرح وتنفيذ المبادرات الوطنية المشتركة لإنجاح تلك الخطط، ليس فقط للتصدي للمخاطر، وإنما لتسهيل خدمات كافة الجهات في كافة الأوقات وتحت مختلف الظروف. 

وهنا تأتي خدمة «بن وريقة» مثالاً ناجحاً للمبادرات في مرحلة التعافي من الأزمة، وهي خدمة قائمة على تبني وزارة الداخلية للأفكار الابتكارية للمساهمة في تحقيق الجهات الصحية في الدولة لواجباتها وتقديم خدماتها لأفراد المجتمع بالصورة المثلى وفي زمن قياسي في غير أوقات الطوارئ والأزمات.
وتركز تلك الخدمة على تسهيل عمل فئة معينة من الأطباء العاملين في خط الدفاع الأول من أصحاب التخصصات المحددة، لضمان سرعة استجابتهم عند الاستدعاء للحالات الطارئة، بهدف تسهيل وصولهم للمستشفيات (بوساطة سياراتهم الخاصة) من خلال منحهم تسهيلات واستثناءات على الطريق بالسرعة الممكنة، مع ضمان سلامتهم وسلامة مستخدمي الطريق وتفادي أي تأخير نتيجة الازدحام المروري. 

ولكن الأمر لم يقف فقط عند وزارة الداخلية، بل تعداه ليصل إلى وزارة الدفاع، ممثلة بسلاح الخدمات الطبية، والتي شاركت في تحقيق أهداف خدمة «بن وريقة» من أجل ترسيخ التكامل والتعاون مع الجهات الوطنية الصحية والأمنية من خلال نخبة من الأطباء العسكريين في خط الدفاع الأول، والذين يعملون جنباً إلى جنب مع إخوانهم الأطباء العاملين في القطاعات الصحية الأخرى بالدولة. والمحصلة جهود وطنية مشتركة لتحقيق هدف واحد وهو نجاح خطط وبرامج كافة الجهات المعنية الاتحادية والمحلية قبل وأثناء وبعد الطوارئ والأزمات. 

* باحث إماراتي