مع موجة الثناء التي صاحبت تداعيات جائحة كورونا، لما أنتجته من شحذ إنساني طامح للتغير، وتفاعل إيجابي «غالباً»، مع المتطلبات الجديدة، باعتبارها عمليات «بناء» جديدة، إلا أن هذه الأزمة رافقتها أيضاً ظروف «هدم»، لتتشابه تماماً وعمليات الأيض الحاصلة في جسم الإنسان، فهل تفاعل الإنسان مع الأولى كما تفاعل مع الثانية؟

عايش الإنسان «مرغماً» مشاعر القلق والخوف والفقد والترقب وغيرها الكثير من المشاعر في فترة زمنية واحدة، سيما أن الأفراد متفاوتون في طبيعة تقبلهم للتغيرات المفاجئة، ولاكتسابهم «ألفبائية» الدعائم النفسية، التي تمكنهم من مساعدة أنفسهم، ومن حولهم، مما يشكل تحدياً حقيقياً في نسبة الأشخاص سريعي التكيف، أو ممن يمتلكون «المرونة النفسية»، التي تعني القدرة على تغيير المواقف والإجراءات الواجب اتخاذها، إزاء ظهور أحداث جديدة أو غير متوقعة، إضافةً للقدرة على التعامل بسلاسة مع الأزمات والمواقف الصعبة، دون الحاجة إلى الحاجة لأخذ فترات أطول في استيعاب الموقف، كما يعرفها «جيل نعوم»، المختص بتدريس أساليب المرونة النفسية من جامعة هارفارد ومستشفى ماكلين. 
وبصورة أقرب، ولأن «معرفة المشكلة هي نصف الحل»، فإن العديد من المجتمعات تقف أمام تحدٍ إضافي هو «عَوَز» الوعي السيكولوجي، وما يدور حولها من تفاصيل، ففي حين أن أغلب العالم يتفق على وجود الأمراض الروحية، والعضوية «الجسدية»، إلا أنه يقف متردداً في نظرته للأمراض والأعراض النفسية التي لا تقل أهمية وخطورةً عن غيرها. بل إن «الجانب النفسي» أخذ حيزاً واسعاً، تجده في هدي النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وفي معظم وصاياه وأحاديثه الحاثة على الرحمة والرفق، لتحقيق التوازن النفسي والعاطفي. 
والداعي لاعتبار العناية بالناحية السيكولوجية، ورعاية تفاصيلها، بمرتبة لا تقل اهتماماً من التنمية الاقتصادية، أو الأكاديمية، أو التكنولوجية في النظام العالمي الجديد، هو أن النقاط التي تستهدفها تقنيات العلاج النفسي، تعكس وبصورة دقيقة ما تسعى العديد من الحكومات لتوفيره لأبناء شعبها، كخطوة فاعلة في بناء حضاري سليم، يعرف كيف يختار بذوره السليمة من أي عطب. ف«العلاج السلوكي المعرفي» أو ما يسمى ب(CBT)، يعتبر أداةً «حساسة» لتحديد السلوكيات، والأفكار الخاطئة والعمل على تقويمها واستبدالها بالسليمة، كما أن العلاج «الديناميكي النفسي وعلاج التحليل النفسي»، يثري المنظومة الفكرية لدى الإنسان، ويعمل كدافع لإنعاش «المناطق الخاملة» داخل جسد الإرادة الإنسانية، كما تساعد تقنيات العلاج النفسي في إكساب الأفراد دعامة صلبة تتقن التعامل مع الضغوطات، وتدعم القدرة على التأقلم مع المواقف الصعبة، وتكسب الفرد مهارات تمكنه من إدارة الذات والمشاعر وترتيب الأفكار، وامتلاك أدوات التواصل الفعال مع باقي مكونات المجتمع الإنساني الحيوي. 
إن الإنسان اليوم يعيش حالة من «الاغتراب التواصلي» والترابطي مع أخيه الإنسان، لم تنعدم وسائلها «بوجود مواقع التواصل الاجتماعي» ولكنها بحاجة لتقوية، وإيجاد أساليب أكثر نجاعة في التقارب النفسي والعاطفي، ذلك أن الإنسان عندما يتواصل مع أشخاص آخرين، فإن الكثير من المعاني التي يتم نقلها، لا تنتقل عبر الكلمات المرسلة، ولكنها تظل كامنة في التعبيرات غير اللفظية، بناءاً على رأي عالِم السلوك في جامعة أريزونا الأميركي «كريس سيجرين». 
المضي في الاعتراف بحاجة العالم اليوم للدعم السيكولوجي، وتوفير «اللقاحات» النفسية، بصورة توازي توفير احتياجات العالم من لقاحات كورونا التي لا تزال تتعدد وتتجدد، هي خطوة حقيقية من الاستجابة لحالة «الانفعال الجماعي»، كما يسميها عالِم الاجتماع الفرنسي إيميل دوركايم، الذي صاحبه إثارة عاطفية مشتركة للمجتمعات الإنسانية، مما يعني «تكيف ذكي» للوضع الحالي، وتجاوز ناجح ومأمول للتحديات المستجدة. 

*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة