بقيت لمدة تجاوزت سبع سنين عجاف، أنادي وأناشد، مذكراً بين الحين والحين، كنوع من تعليق الجرس، حتى يأتي من يأخذ بتلك الفكرة النبيلة، وتلك الدعوة الصادقة من أجل جمال عاصمتنا، ومن أجل بيئتها الجميلة، والمحافظة على اخضرارها كما كان يحلم ويعمل المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد، الحديث عن تلك الدعوات المتكررة التي كنت أناشد بها الجهات، وحين تأخر الجواب طالبت بالجهود الفردية والتطوعية، وعدم الاعتماد على اعتماد ميزانية من أجل تشجير وتخضير مساحات جرداء قادر الفرد على أن يصنع الفرق بمجهوداته ومساهماته، كجزء من واجب، فكانت الحملة «من أجل الفرح والأخضر»، من أجل تزيين وتشجير دوار «الكات» أو دوار «قهوة بو حَشّي» أو دوار «المفرق» في الزمن البعيد، واليوم بلا مسمى، وأخشى أن يطلق عليه الناس بعفويتهم مسمى «التقاطعات»، والذي أصبح من أكبر التقاطعات المرورية بجسوره وطرقه المؤدية إلى الجهات الأربع، والذي يمثل المدخل الأساسي لجزيرة أبوظبي، في تلك المساحة الشاسعة والخالية من نبتة واحدة، حيث مضى على إنجازه سنوات، وكل عام أذكر به، وأناشد بضرورة تشجيره، وزرعه، وتنظيم حديقة حرجية فيه بدلاً من تلك الرمال التي تذروها الرياح في الطرقات، وبدلاً من بقايا المكبات، كحجر منسي، عدة حديد من مخلفات المقاول، «درام» ظلت تصليه الشمس. وآخر المقترحات التي ناديت بها قبل سنتين، من أجل تعمير ذلك التقاطع المروري، وتخضير مدخل أبوظبي، أن لا نعتمد على أن تطرح البلديات مناقصة تتبعها مناقصة أو تتنبه جهة مسؤولة، وتأمر بتشجيره، أو كل جهة تتكل على الأخرى خصوصاً في تعدد الجهات لدينا، ويضعونه ضمن الخطة العشرية، وتمط المسألة وتتعقد، ولا تنفذ، اقترحت أن تشكل لجنة مصغرة من مجالس أبوظبي، وتنادي بحملة تشجير لتلك البقعة الجرداء، يعني بالعامي: «نتفازع عليه كلنا، أحد ينطل رمل، وأحد يسوق سماد، وأحد يجلب الفسائل، وآخرون يجلبون النبتات البرية الصالحة للزراعة في تلك المنطقة، والباقون عليهم التنقيط، وحصى للتزيين، وانتهت الحِيّه»، أرى أن في ذلك خيراً وسهولة، وهو في الوقت نفسه مساهمة من الناس ومشاركته في تجميل عاصمتهم، وإحساسهم بروح المسؤولية الوطنية، ومعاني التطوع، ومعنى العمل الجماعي المعتمد على روح الفرد، لا المؤسسة.
اليوم وفي السنة الثامنة التي كانت من السِّمان، لابد وأن أشكر البلدية كواجب، وكلمة حق لأنها تنبهت وأنجزت ذلك المشروع، وإن كانت متأخرة، لكن وفق المثل الفرنسي: «أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي»، واستكملت المراحل الأولى والأساسية في تلك البقعة التي تمثل أذرع أبوظبي المستقبلة الجميع قبل الدخول إلى الجزيرة، بما تمثله من رقعة واسعة كانت جرداء، تُصفِّر، وكانت تحزّ في نفوس أولئك الذين ظلوا يقطعون ذلك الطريق جيئة وذهاباً كل أسبوع، ولسنوات تزيد على الخمسين، متذكرين أشجاراً قديمة في ذلك المكان كانت تُمرّح تحتها ركائبهم، وكانت تستظل تحتها سياراتهم القديمة التي تحرّ، ولا يحبون الأشياء التي كانت حيّة أن تذبل أو تموت نسياناً، لذا لابد من شكر أي جهد من أجل الجمال، ومن أجل تثبيت الحق، ومن أجل الخير، شكراً بلدية أبوظبي، وإن كان شكراً متأخراً، لأنني لا أعرف لك باباً.