تركت حرائق الغابات التي اجتاحت كاليفورنيا العام الماضي خلفها أرضاً يباباً وتلالاً من الأنقاض بأرقام مثيرة للقلق. فقد أتى نحو 9900 حريق على أكثر من 4.2 مليون هكتاراً من الأراضي ودمر نحو 10500 منزل ومبان أخرى. وأودت الحرائق بحياة 33 شخصا وتسببت في أضرار تقدر قيمتها بنحو عشرة مليارات دولار. والدمار تضمن خمسة من أكبر ستة حرائق في تاريخ الولاية. وهذه هي المرة الأولى التي يتخطى فيها الدمار مليون هكتار. وأرغم عشرات الآلاف من السكان على الفرار من منازلهم مع تهديد النيران البلدات والمدن. 
وإلى جانب ضعف الأراضي الطبيعية وسوء إدارة الغابات وتغير المناخ، ساهم الانتشار السكاني أيضاً في زيادة الحرائق الكارثية على امتداد الغرب. وتشير دراسات إلى أن ما بين النصف وثلاثة أرباع المنازل التي التهمتها حرائق الغابات في الخريف في كاليفورنيا تقع على الحدود بين الأراضي البرية والمناطق الحضرية، حيث تلتقي التنمية مع الأراضي البرية ويعيش فيها نحو 11 مليون نسمة على امتداد الولاية. وكثافة الإسكان في المواقع المعرضة للحرائق تذكي الحرائق أيضاً مع انتقال شرر النيران بفعل الريح من سطح منزل إلى آخر. وفي السنوات القليلة الماضية، وفي مسعى لمنع انتشار الحرائق، فرضت الولاية استخدام مواد بناء مقاومة للنيران في المنازل الجديدة، وطالبت مالكي العقارات بالتخلص من المواد النباتية الجافة حول المنازل كي لا تصبح وقودا للحرائق. 

والنتائج المتواضعة للسياسات دفعت الولاية- عبر القضاء والهيئة التشريعية- إلى السعي لكبح جماح الانتشار السكاني بفرض سيطرة أكبر على التخطيط المحلي لاستغلال الأراضي. والاستراتيجية الساعية لحماية الأرواح والممتلكات تأتي في وقت يعرض فيه الجفاف كاليفورنيا للخطر مع التهام حرائق الغابات 14 ألف هكتار في التاسع من مايو أي أكثر بواقع 12 ألف هكتار عن الوقت نفسه من العام الماضي. وانضم مكتب المدعي العام للولاية إلى قضيتين في مارس تقدمت بهما جماعات مدافعة عن البيئة ضد مقاطعة سان دييجو لوقف مشروعين يضيفان 3000 وحدة سكنية على نحو ألفي هكتار من أراضي الأشجار القصيرة خارج مدينة تشولا فيستا. وجاء القرار في أعقاب تحرك مشابه قبل شهر في مقاطعة «ليك» حيث يسعى مطورون إلى بناء 1400 منزل و850 وحدة فندقية ومنتجعية على 16 ألف هكتار على أراض عشبية متموجة التضاريس شمالي سان فرانسيسكو. 

وفي ملفات القضاء، أكد المدعي العام السابق «خافيير بيسيرا» على أن مسؤولي المقاطعة تجاهلوا مخاطر حرائق الغابات القائمة على أسباب وجيهة قبل الموافقة على الخطط. ومشروع قانون التدخل في مقاطعة سان دييجو يشير إلى نشوب 68 حريقا في نطاق خمسة أميال من موقع المشروع على مدار المئة عام الماضية. وفي مقاطعة «ليك» أصابت الحرائق موقع تطوير مقترح أربع مرات منذ 2014 بما في ذلك الصيف الماضي. وقرار الولاية ناتج عن تحديث لقانون «الجودة البيئية في كاليفورنيا» في عام 2018 الذي يطالب المسؤولين المحليين بتقييم الخطر الذي تشكله حرائق الغابات على أي مشروع تطوير جديد. ويصر مسؤولو مقاطعة «سان دييجو» ومقاطعة «ليك» أنهم قيموا بشكل كاف المخاطر، بل وجادلوا أن المشروعات تلبي العجز في المساكن، وهي أزمة قائمة على امتداد الولاية، وتقدم عائدات عقارية مطلوبة بشدة لتمويل المدارس والطرق. 

والتعديلات في القانون جعلت المصير مجهولا لمقترح لبناء 19300 منزل على مساحة 6700 إكر في مقاطعة لوس انجلوس الريفية. وعرقل قاض هناك البناء الشهر الماضي بعد أن وجد أن المطور تقاعس عن التدقيق الملائم بشأن التأثير المحتمل للمشروع فيما يتعلق بخطر حرائق الغابات في المنطقة. وتقدم سيناتور الولاية «الديمقراطي»، «هنري ستيرن»، بمشروع قانون لحظر إقامة منازل جديدة في مناطق وصفتها «إدارة الغابات والحماية من الحرائق في كاليفورنيا»، بأنها «عالية التعرض لخطر الحرائق». واستهدف تشريع «ستيرن» التصدي للسيطرة المحلية، ونص على أن «الموافقة على تطوير جديد في منطقة عالية مخاطر الحرائق هو شأن ذو أهمية مستوى الولاية وليس شأنا محلياً».

ووصف السيناتور «ستيرن» مشروع القانون بأنه دعوة إلى الانتباه توضيح أن قرارات التخطيط تحمل عواقب تتجاوز حدود المدينة أو المقاطعة في صورة كلفة متصاعدة يتحملها دافعو الضرائب في الولاية لصالح جهود إطفاء الحرائق والاستجابة للطوارئ والإنقاذ من الكوارث. وحددت «إدارة الغابات والحماية من الحرائق في كاليفورنيا»، مناطق عالية مخاطر الحرائق بناء على طبيعة التضاريس والغطاء النباتي ومستويات الرطوبة ونماذج المناخ. وحجم وعدد هذه المناطق التي يعيش فيها ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص مازالت تتزايد مع تزايد حرارة وجفاف المناخ. ووضع السيناتور«الديمقراطي» مايك مكجواير، مشروع قانون يجبر المدن والمقاطعات على تبني معايير جديدة للسلامة من الحرائق في الولاية في بناء المساكن في المناطق عالية التعرض للحرائق مع إجراءات حمائية أقوى للمشروعات الأكبر. ووقع حاكم الولاية «جافين نيوسوم» مشروع قانون لميزانية لمكافحة الحرائق الشهر الماضي، تقدم 25 مليون دولار لمساعد ملاك المنازل لتزويد المنازل بمواد مقاومة للحرائق. والبرنامج الأولي لتعديل المنازل، سيساعد الولاية على المضي قدماً في المطالبة بـ 75 مليون دولار أخرى من التمويل الاتحادي لتوسيع المسعى. 
وهناك مشروعا قانونين يشجعان الأفراد والمساهمات الجماعية على تطوير تجمعات سكانية مقاومة للحرائق. واقترح السيناتور «ستيرن» إقامة برامج للتدريب والمنح على مستوى الولاية لإغراء ملاك العقارات بتعديل منازلهم والالتزام باشتراطات المساحة الدفاعية لإزالة النباتات الجافة من حول المنازل. ومن الإجراءات الأخرى، تم تدشين برنامج يتكلف 50 مليون دولار في إدارة الولاية للمحافظة على البيئة لمساعدة المسؤولين المحليين والإقليميين على دعم مباني سكانية مقاومة للحرائق. 
*مراسل «كريستيان ساينس مونيتور» في الساحل الغربي الأميركي.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»