يومياً يسمع المواطنون في كل دولة من دول العالم بأن بلادهم قد عقدت أو ستعقد اتفاقية أو معاهدة مع دولة، أو مجموعة دول أخرى حول قضية خلافية بينها وبينهم سواء كانت حرباً أو خلافاً حدودياً أو اقتصادياً أو غير ذلك من الشؤون والأحداث التي تدور بين الدول المستقلة ذات السيادة. فكيف تُعقد مثل هذه الاتفاقيات والمعاهدات؟ 

في التصدي لأية مشكلة خاصة بالعلاقات الدولية من المهم جداً تذكر منذ البداية بأن الشؤون الدولية تختلف عن الشؤون الداخلية. في الشؤون الداخلية يمكن للوزراء المختصين صياغة قانون للتعليم أو الصحة أو الشؤون الاجتماعية أو الميزانية يقومون فيه بالنظر بشكل كامل إلى مصالح دولهم الداخلية؛ وما إن يتم تمرير القانون من الجهات المعنية يمكن للوزير المختص تمريره إلى رجال الخدمة المدنية لتنفيذه.
السياسة الخارجية هي أمر مختلف تماماً، حيث يتوجب على وزير الخارجية في الدولة المعنية أن يأخذ في الاعتبار ليس مصالح بلاده وحقوقها فقط، ولكن أيضاً حقوق ومصالح الدول الأخرى الضالعة في القضايا المطروحة.
وهنا هو ملزم بالموازنة بين ما تعتقده بلاده بأنه عادل وصحيح في مقابل ما تعتقده الدول الأخرى بأنه عادل وصحيح. وعليه فإن الاتفاقية أو المعاهدة ملزمة هي الأخرى تكون حلاً وسطاً بين مصالح متعارضة.
وما إن يتم إبرامها فإنه توجد حاجة إلى الحد الأقصى من الحذر لضمان ألا يتم الإخلال بها أو بعدد من بنودها أو تجاوزها من قبل الأطراف الأخرى.
ولهذا السبب بالذات، فإن أية معاهدة عامة أو اتفاقية تعقد في أعقاب أية حرب أو خلاف عميق يجب أن يتم مناقشتها أولاً في مؤتمر يعقد بين ممثلي الأقطار المتعددة ذات العلاقة.
وربما أن الأمر قد يأخذ شهوراً أو سنوات للموازنة يبن الاختلاف في وجهات النظر التي قد تنشأ حول النقاط المطروحة. وبعد المناقشات المستفيضة يتم توقيع المعاهدة حتماً ومن ثم يتم رفعها إلى الجهات المختصة في كل بلد معني للمصادقة عليها.
عادة أن كل دولة ترسل إلى المؤتمرات التي تعقد ما يعرف بالممثلين المعتمدين لها، فإذا كان المؤتمر مهما فإن أولئك الممثلين يكونون على مستويات عالية من الأهمية كملوك الدول أو رؤساءها أو رؤساء الوزراء فيها ويكون بصحبتهم وزير الخارجية.
وتقوم الدول الواعية بتضمين وفودها ممثلين للعديد من قطاعات المجتمع الهامة كالأقطاب السياسيين والاقتصاديين ووجهاء المجتمع.
ويتم اتخاذ مثل هذا الإجراء بحكمة ولحكمة قوامها أن يتم ضمان أن يكون تمثيل البلاد في المؤتمرات الهامة عاكساً لآراء ومصالح الدولة المعنية بكافة مكوناتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وليس الحكومة أو النظام الحاكم وحده، أي للوطن وللأمة المعنية برمتها.
وعليه، فإن المواطنين العاديين يكونون ممثلين في المؤتمرات المهمة عن طريق رجال ونساء هم كمواطنين يثقون بهم وبأنهم سيعملون بكل إخلاص لتحقيق مصالح بلادهم في الحد الأقصى الممكن تحقيقه.
لكن هذا ليس هو الضامن أو المراقب الوحيد، فالمعاهدة أو الاتفافية حين تبرم بعد أن تكون قد نوقشت وتمت الموافقة والتوقيع على كافة بنودها،لا تدخل حيز التنفيذ، قبل أن تتم المصادقة النهائية عليها من قبل الهيئات النيابية والجهات المختصة العليا في البلاد.
وهذا يعني أن الحكومة تقدم المعاهدة أو الاتفاقية إلى نواب الشعب أولاً للنظر فيها والموافقة عليها، وفقط عندما يتم تمريرها والموافقة عليها من قبلهم تقوم الحكومة برفعها إلى رأس الدولة، سواء كان ملكاً أو رئيس جمهورية للمصادقة النهائية عليها.
في النقاش حول المعاهدة الذي يجري تحت قبة المجلس التمثيلي تعطى فرصة كاملة للمواطنين عبر ممثليهم في المجلس لإبداء آرائهم وربما عدم موافقتهم وانتقاداتهم للمعاهدة أو الاتفاقية.
والحقيقية أن مثل هذه الخطوات ليست مجرد روتين متبع أو صيغة جوفاء، ففي العديد من الشواهد في كثير من الدول، قامت المجالس النيابية برفض اتفاقيات كانت مهمة جداً للأطراف الموقعة عليها، وتمت الموافقة عليها من قبل السياسيين والدبلوماسيين المشاركين في عقدها.
ـ ـ. ـ ـ ـ ـ
كاتب إماراتي