في الوقت الذي تشهد فيه منطقة جنوب آسيا تصاعداً في حالات الإصابة بمرض كوفيد-19، تواجه نيبال تحدياً مزدوجاً كبيراً في صورة أزمة سياسية في وقت تخرج فيه جائحة فيروس كورونا عن السيطرة في البلد الحبيس في منطقة الهمالايا. فقد حلت الرئيسة النيبالية «بديا بهانداري»، في الأيام القليلة الماضية، البرلمان للمرة الثانية في أقل من ستة شهور. ودعت إلى انتخابات جديدة مما أثار مسائل قانونية ودفع البلاد مرة أخرى إلى اضطراب سياسي. والبرلمان تم حله قبل عامين من موعد انتهائه الرسمي وانتخابات التجديد النصفي تم الدعوة إليها على مرحلتين في نوفمبر هذا العام. 

وتوقيت الأزمة السياسية يجعلها أكثر صعوبة على البلاد. وتحتاج نيبال في هذه المرحلة قيادة سياسية قوية ووحدة سياسية للسيطرة على الجائحة وضمان ألا تنهار البنية التحتية الصحية. وعدم الاستقرار السياسي في الشهور القليلة الماضية أدى إلى حالة يتم التركيز فيها على القضايا السياسية وليس على انتشار فيروس كورونا. والبلاد لم يكن لديها أكثر من 100 حالة قبل بضعة شهور، لكنها تشهد الآن تصاعداً كبيراً مع اكتشاف 8000 حالة كل يوم. وبالنسبة لبلد في حجم نيبال يبلغ عدد سكانه 30 مليون نسمة فحسب، فهذا بلا شك أزمة صحية كبيرة. واندلعت احتجاجات ضد الإجراء الذي اُعتبر أن المراد به مساعدة وحماية رئيس الوزراء «براساد شارما أولي«. 
والأزمة السياسية الحالية هي نتاج تناحر داخل الحكومة الائتلافية. وأثارت أيضا أسئلة عن مدى دستورية الإجراء. فدستور نيبال ينص بوضوح على أنه لا يمكن حل البرلمان إلا بعد استنفاد كل البدائل الأخرى، لكن كثيرين يعتقدون أن هذه الحقيقة لا تنطبق على الوضع الحالي. 

وعدم الاستقرار السياسي ليس غريباً على نيبال. فقد شهدت البلاد أكثر من 20 حكومة في الـ 30 عاماً الماضية في دلالة على ابتلاء البلاد بعدم الاستقرار السياسي. فقبل خمسة أشهر فحسب، أوصى رئيس الوزراء، أولي، بحل البرلمان قبل عامين ونصف من مدة ولايته البالغة خمس سنوات مخافة التصويت بعدم الثقة على الحكومة ما أدى إلى عدم استقرار سياسي. والإجراء نتج عن صدام بين فصيلين في الحزب الشيوعي النيبالي، أحدهما بقيادة أولي، والآخر بقيادة «بوشبا داهل». لكن المحكمة العليا النيبالية أبطلت القرار، وأعادت البرلمان في فبراير هذا العام. وهذا أدى إلى تصويت بعدم الثقة والموافقة على سحب الثقة من أولي في 10 مايو. لكن الأحزاب السياسية الأخرى وجدت صعوبة أيضاً في تشكيل حكومة بحلول الموعد النهائي المحدد في 21 مايو. وقرر الرئيس حل البرلمان، رغم مراهنة «أولي وشير بهادور ديوبا»، زعيم المعارضة ورئيس المؤتمر الوطني، على التمتع بأغلبية في البرلمان. 

وهناك غضب في نيبال في ظل هذه الأحداث. فالشعب يطالب الحكومة بالتركيز أولاً على التصدي للجائحة بدلاً من الاستعداد لانتخابات أخرى. ويواجه أولي بالفعل انتقادات من المعارضة والمجتمع المدني بشأن معالجة الحكومة لفيروس كورونا. وعبروا عن مخاوفهم من أن الفيروس قد ينتشر على نطاق واسع إذا عقدت الانتخابات كما حدث في انتخابات الهند في ولاية البنغال الغربية قبل شهر واحد فحسب. وهناك احتجاجات مؤيدة وأخرى معارضة لأولي في العاصمة كاتماندو وأنحاء أخرى من البلاد. والإضرابات السياسية دمرت نيبال لأن تمرد الماويين يرتبط بذهاب حكومات ومجيء أخرى. فقد لقي أكثر من 13 ألف شخص حتفهم في حرب أهلية انتهت في أعقاب اتفاق سلام بين الحكومة النيبالية والماويين. لكن الآن هناك جائحة تعصف بالبلاد، وقد حان وقت أن تتحد المعارضة وأحزاب الائتلاف الحاكم لمعالجة جائحة لم يشهد العالم لها مثيلا. 
وتواجه نيبال أزمة سياسية في وقت تتصدى فيه البلاد لموجة خطيرة من الجائحة مع عجز في توافر أنابيب الأوكسجين واللقاحات للشعب. والهند التي كانت تمد كاتماندو باللقاحات توقف عن تقديم هذه الامدادات الآن بعد أن تصاعدت حالات الإصابة بالفيروس في البلاد. والحقيقة أن الهند أيضاً عانت عجزاً في الأوكسجين والعقاقير في أبريل وبداية مايو. وهذا لم يؤثر على نبيال فقط بل على عدد من الدول المجاورة الأخرى التي كانت تعتمد على الهند في الحصول على اللقاحات والمساعدات الطبية الأخرى. 
ونبيال تسجل رسميا 200 وفاة يومياً في الوقت الحالي، لكن يعتقد أن معدل الوفيات ربما يكون أعلى من المعلن رسمياً. والأمم المتحدة ناشدت الدول الأخرى لتقديم المساعدات للبلد الجنوب آسيوي، مشيرة إلى أن نيبال على حافة الانهيار. وفي غمرة تقارير تشير إلى بحث نيبال إعلان حالة الطوارئ الصحية، فمن الواضح أن هذا هو الوقت الذي يتعين فيه على نيبال وأحزابها السياسية أن تعمل معاً أولاً على مكافحة الفيروس، وحماية الشعب من الوقوع فريسة للجائحة القاتلة. 

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي.