تُجري أطراف عربية ودولية اتصالات لتثبيت وقف إطلاق النار، وفي ذلك تقوم مصر بدور محوري عبر اتصالاتها بكل من السلطة الفلسطينية وحركة «حماس» وإسرائيل، من أجل التهدئة وبهدف الانتقال إلى مرحلة متقدمة تُطرح فيها مقاربة للعوامل والأسباب التي أدت إلى العنف في الأقصى عقب قيام المستوطنين اليهود باقتحام المسجد الأقصى في شهر رمضان، وتهجير عائلات فلسطينية في حي الشيخ جراح وما نتج عنه من عنف إسرائيلي ضد المقدسيين، ثم اندلاع الحرب بين إسرائيل وغزة لأحد عشر يوماً، إثر قصف صاروخي من «حماس» لإسرائيل التي ردت رداً عنيفاً ومدمراً لغزة.
وترعى مصر المحادثات في القاهرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية و«حماس» حول صفقة تبادل للأسرى بين الجانبين والتوصل إلى هدنة طويلة الأمد في القطاع، بينما يُجري وزير الخارجية الإسرائيلي جابي أشكنازي في القاهرة مباحثات غير مباشرة مع «حماس».
وفي هذا السياق أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن إيفاد وزير خارجيته أنتوني بلينكن إلى المنطقة، حيث التقى قادة إسرائيل والقيادات الفلسطينية بعد سنوات من الإهمال! وقال بايدن إن بلينكن سيبحث «الجهد الدولي لضمان وصول مساعدات فورية لغزة بطريقة تفيد الشعب هناك وليس (حماس)، وتقليص خطر تفجر صراع آخر في الأشهر المقبلة». وهذه فرصة للرئيس عباس كي يمتحن نيات بايدن بشأن «حل الدولتين» كما أعلن عنها.
وفي هذا السياق أيضاً جاء لقاء الملك عبدالله الثاني وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بالأردن، حيث أكدا على العمل على المستويين الإقليمي والدولي خلال الفترة المقبلة لتحريك عملية السلام ودفعها إلى الأمام للوصول إلى تسوية للقضية الفلسطينية.
وقد تحولت قضية الاحتلال الإسرائيلي إلى قضية ضمير عالمي تحظى بتعاطف جماهيري عربي ودولي عكسته التظاهرات والمسيرات في مختلف دول العالم. وأجرت صحيفة «نيويورك تايمز» تغطية نادرة تحت عنوان «كانوا مجرد أطفال»، نشرت فيها صور وأسماء الأطفال الفلسطينيين الـ66 الذين قتلوا في القصف الإسرائيلي على القطاع. كما نشرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، على صفحتها الأولى، صور الأطفال وكتبت فوقها: «هذا ثمن الحرب».
لقد تبلورت قناعة دولية بضرورة التوصل إلى حل لمشكلة احتلال فلسطين وعودة القضية الفلسطينية إلى صدارة القضايا الساخنة التي تهم السلم الدولي. وعلى الفلسطينيين استغلال هذه الفرصة وكسر الرهانات التقليدية المحكومة بعوامل غير مستقلة تتبناها «حماس» وبعض الفصائل الأخرى المرتبطة في أجنداتها بدول إقليمية تقع ضمن الحرب الباردة الإيرانية الإسرائيلية وتعيش في تياراتها الجارفة دون حل. 
حين لا ينجح مشروع سياسي في فرض إرادته تتحول أهدافه إلى إعاقة سياسية، لكن أي مسعى جدي للاستفادة من دروس ما جرى ويجري في فلسطين يتطلب ضرورة الابتعاد عن الأوهام بقرب زوال إسرائيل!
هناك فرصة تاريخية ينبغي أن يغتنمها الفلسطينيون لتوحيد جبهتهم الداخلية تحت مظلة «منظمة التحرير الفلسطينية»، حتى لا تتحجج إسرائيل بمقولة تكررها: «مع مَن نتحدث؟»، وعلى الفلسطينيين أن يتمسّكوا بعامل الجغرافيا، وأن يتحرروا من عامل التاريخ، وأن لا يقعوا في فخه الذي تجاوز عمره سبعين عاماً أضاعوا خلالها الغالي والنفيس.
وإن لم يتحول وقف إطلاق النار إلى جولة من المفاوضات في الشهور المقبلة، فما فائدة إعادة الإعمار دون حل للأزمة، مع أن إلحاق الأذى بالفلسطينيين سوف يؤدي بالمقابل إلى إلحاق الأذى بالإسرائيليين، وهذا هو الردع النفسي الذي حققته المعركة الأخيرة.
الهزيمة يتيمة، لكن النصر له ألف أب، والذي انتصر هو الشعب الفلسطيني وليس فصيلاً أو حركة. وعلى القيادة الفلسطينية أن تستوعب أن الدول العربية التي أبرمت سلاماً مع إسرائيل لا تدخل في سوق المزايدات الإقليمية، بل ستظل مصدر قوةً للمفاوض الفلسطيني، والمستقبل كفيل بإثبات ذلك.


*سفير سابق