تزايُد اتساع الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة، وبين الأغنياء والفقراء داخل كل دولة، يعد من بين تأثيرات جائحة «كوفيد-19». والعواقب تتمثل في توترات متزايدة بين الدول وداخل كل دولة حول هذه التفاوتات الواضحة بشدة. وأوضح دليل على هذه الانقسامات يتجلى في قدرة الدول على إجراء اختبارات الفيروس على السكان ومعالجة المرضى وتقديم اللقاحات لأكبر عدد ممكن من الأفراد. فبعد مساع كارثية مبكرة لتخفيف أثر الجائحة، استطاعت معظم دول أوروبا وأميركا الشمالية ودول قليلة في الشرق الأوسط والصين وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا.. إخضاع الجائحة للسيطرة وتدشين برامج واسعة النطاق لإعطاء اللقاحات، مما سمح لقطاعات كبيرة من اقتصادياتها بتخفيف القيود الخاصة بالتجمعات وارتداء الكمامات. 
لكن المحنة في مناطق أخرى من العالم كانت أشد وطأةً، حيث تواجه جنوب آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية تحديات هائلة، وهي مناطق هشة بشدة أمام انتشار أكبر وأسرع للفيروس. ومراقبة ما يحدث في محنة الهند مثير للقلق ومؤلم بشكل خاص. ففي الأيام المبكرة من الأزمة، كان يبدو أن زعماء البلاد أحسنوا السيطرة على المرض. لكن ربما بسبب الافراط في الثقة، تم فتح الاقتصاد وتخفيف القيود على الاجتماعات السياسية والدينية. لكن البلاد أصبحت تواجه الآن أسوأ أزمة كوفيد في العالم دون توافر إحصاءات موثوق بها. لكن هناك ثقة في أن أعداد حالات المصابين وعدد الوفيات المسجلة، من شبه المؤكد أنها أعلى بكثير مما تذكره التقارير الرسمية.
وتواجه البرازيل وضعاً مشابهاً في الخطورة لما يحدث في الهند. والأخطار في البرازيل تصاحبها انقسامات سياسية مريرة في المجتمع. فقد قلل الرئيس خايير بولسونارو، وهو يشبه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في توجهاته اليمينية وفي ما يثيره من ضجة وجدل، في الأيام المبكرة من الجائحة من خطورة الفيروس ولم يصغ لمطالبات الجماعات العلمية والطبية في البرازيل بضرورة الالتزام بإجراءات صارمة خاصة بالتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات. 

وهناك خبراء قلقون من أن تصبح أفريقيا التي تفادت حتى الآن ظهور تفش كبير للمرض، المسرحَ التالي لظهور انتشار سريع للفيروس الوبائي. وهناك قلق خاص بشأن نيجيريا التي يقطنها 211 مليون نسمة وليس بها بنية تحتية طبية ملائمة تستطيع مواجهة انتشار إصابات جماعية كبيرة.
وهذه التفاوتات بين الأغنياء والفقراء أدت إلى ظهور انتقادات للدول المتقدمة بأنها تشتري كل اللقاحات لنفسها وتمنع الفقراء من إمكانية الحصول عليها في كل مرة تستشري فيها الجائحة. لكن من مصلحة الدول الغنية أن تتأكد أن يكون التوزيع الدولي العادل للقاح أولى الأولويات لأنه ما لم يصبح معظم العالم آمناً، فلن يكون هناك أحد آمن. والجائحة، إلى جانب المخاطر المتزايدة من تغير المناخ، أضافت بعدين جديدين على حالة العلاقات الدولية المرتبكة والمعقدة بالفعل. فقد كانت التوترات بين القوى الكبرى تتصاعد بالفعل قبل ظهور الأزمات الحالية. لكن صعود الصين والتراجع النسبي لأميركا كقوة قيادية فاقم من خطورة طائفة واسعة من الصراعات حول قضايا كثيرة. 
ويتعين على الصين والولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى أن تجد وسيلة لوضع قواعد جديدة مقبولة للتعامل مع قضية العلاقات بين الدول. ويرى بعض المتفائلين أن الصدمات الدولية التي تسبب فيها «كوفيد-19» تمثل دعوة إلى الانتباه في الوقت الذي بدأ فيه قبول الأدلة التي تشير إلى أن تزايد حرارة الكوكب تمثل خطراً وجودياً للجميع. وهذه الحقائق وحدها تستدعي تعاوناً غير مسبوق. لكن المتشائمين قلقون من أن النتيجة الأكثر ترجيحاً تتمثل في صراعات شديدة وحرب باردة جديدة استثنائية الخطورة بسبب التقدم التكنولوجي وانتشار قدرات الحروب الرقمية التي تثير رعباً يعادل ما كانت تثيره احتمالات حدوث حرب نووية. ومع الأخذ في الاعتبار سرعة وقوع الأحداث، سنعرف قريباً جداً أي التوقعات أكثر ترجيحاً.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشونال انترست»