عودة الدولة المصرية لنفسها ولشعبها هي عودة لأدوارها الإقليمية والدولية، وهي عودة للمحور العربي والقوة العربية. وعلى الرغم من كل الهجمات المنظمة التي أدارتها دولٌ إقليمية وجماعات الإسلام السياسي وبعض اليسار المتحالف معها ضد مصر إلا أن كل الأنباء الواردة من هناك تتحدث عن أشياء جيدة بالفعل، سياسياً واقتصادياً وتنموياً.
من الذي أنهى الصراع المحتدم في غزة؟ من الذي أوقف العبثية والتلاعب بمصير الشعب الفلسطيني في غزة؟ من الذي قاد العالم لإنهاء الصراع في فترة وجيزة وجمع الأطراف ورسم طريق الخلاص؟ إنها الدولة المصرية وتعاونت كل دول العالم معها حتى لا تصل الأمور إلى ما لا تحمد عقباه.
كانت لدى تركيا أحلام واسعة، تقودها تصورات ماضوية لا علاقة لها بالواقع والسياسة، وتدخلاتها في العالم العربي معروفة في أكثر من بلد، وتحالفاتها مع جماعة «الإخوان» وجماعات الإسلام السياسي بارزة، وقد استطاعت مصر فتح الطريق لتركيا لتعود دولة تمارس أدواراً طبيعية واقعية وتفتح تواصلاً جديداً مع الدول العربية يتطور ببطء، ولكنه يوقف العديد من الملفات السابقة.
في حدثٍ يمنح مؤشرات إيجابية زار وزير الخارجية القطري القاهرة وقدم تصريحات توحي بتوجهاتٍ جديدة تمثل المرحلة الثانية بعد «قمة العلا» التي عقدت في السعودية، وأكد الوزير القطري الأسبوع الماضي «أن مصر من الدول الكبرى في المنطقة وتلعب دوراً قيادياً في الملفات الإقليمية، مشدداً على أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يمثل الشرعية المنتخبة في مصر»، وأضاف «أنه بعد طي صفحة الخلاف مع دول الخليج ومصر، تطلعت الدولة للعمل المشترك مع القاهرة». وأكد «أن النقاط الخلافية من الممكن معالجتها، ونحن اليوم في مصر نعمل مع الحكومة، وهي الحكومة الشرعية التي تم انتخابها»، وتصريحات الوزير القطري حملت رسائل مهمة وجهتها للرأي العام المصري والعربي في تأكيد الدور المصري وأهمية العمق العربي.
في ليبيا تتجه الأمور نحو الهدوء والمصالحة وما كان لذلك أن يحدث لولا الدور المصري المهم والفاعل والمؤثر في توجيه الأحداث هناك والتعامل مع كل توازنات القوى الدولية والإقليمية للأخذ بيد ليبيا لتعود دولة مستقرةً ومستقلةً، ينعم شعبها بخيراتها وترفض المستعمرين الجدد تحت أي مسمى أو شعارٍ.
في ملف الإرهاب نجحت مصر، وفي ملف الاستثمارات الأجنبية نجحت مصر، وفي ملف أزمة قناة السويس نجحت مصر، وفي العديد من الملفات الداخلية والإقليمية والدولية تسجل مصر نجاحاتٍ متواليةٍ وتقود المنطقة نحو مزيدٍ من الاستقرار وتعود لنفسها وللعالم قويةً واثقةً مؤثرةً.
ملف «سد النهضة» يبقى ملفاً عالقاً أبدت فيه الدولة المصرية حكمةً وتعقلاً وصبراً، مع تأكيدها الدائم أنها لن تتنازل عن حقوقها المشروعة في مياه النيل، وهي تفهمت كثيراً الدوافع الإثيوبية وسعت لمساعدتها على تجاوز أزماتها الداخلية، وبنت تواصلاً مهماً مع كل الدول المحيطة بإثيوبيا وأصبح العالم بأسره يتفهم جيداً الموقف المصري، ويحترم الخيارات المصرية التي لم تزل مفتوحةً، ويعلم جيداً المشكلات الداخلية المستعصية لصانع القرار الإثيوبي، وأن سبل الخلاص منها لا يمكن أن تكون بتصديرها للسودان ومصر، بل الطرق كثيرةٌ بعيداً عن أي استفزازاتٍ وتحدياتٍ لا تبدو إثيوبيا قادرةً على تحمل عواقبها.
كانت مهمة استعادة الدولة المصرية لنفسها ولأدوارها الإقليمية والدولية مهمةً كبرى، بدأت تتضح آثارها لكل مراقب ومتابع، وهي مهمة قام بها الشعب والجيش المصري وكان للدعم اللامحدود الذي قدمته السعودية والإمارات دورٌ لا ينسى في هذا السياق.
أخيراً، فعودة مصر قوية فاعلة هي إعادة لترتيب توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط بعيداً عن مغامرات الشرق والغرب غير المحسوبة.
* كاتب سعودي