ارتقت الثقافة والحركة الإبداعية الأدبية والفنية في ظل الاتحاد، وبعد قيام الدولة منتقلة من العمل الفردي والمتفرق إلى العمل المؤسسي، والجمعي، أصبح بوجود المؤسسات الثقافية المحلية أو الاتحادية مظلات يمكن للفن والأدب والثقافة في الإمارات أن تزدهر تحتها، وتنطلق منها متجاوزة محليتها إلى الأفق العربي وحتى العالمي، وذلك من خلال تشجيع الجمعيات ذات النفع العام لتقوم بدورها ونشاطاتها وفعالياتها المختلفة على طول الإمارات، وتتبنى المواهب الإبداعية الشابة وتأخذ بيدها نحو التجويد وحتى الاحتراف، مثلما تقوم بدورها الأساسي وهو رفد حركة الترجمة من العربية وإلى العربية، بغية توصيل ثقافة الإمارات إلى الآخر، والتعريف الحقيقي بإنسان الإمارات وحضارته، وأنه ليس نبتاً فطرياً، جاء مع النفط، في تلك الإشكالية المضللة، والصورة النمطية التي سعت جهات عدة لتصديرها عن الإنسان في الخليج.
كان لدور الاتحاد ككيان يمثل دولة الإمارات، ويمثل الدولة الجديدة بمفهومها السياسي والجغرافي، أثرٌ كبيرٌ في احتضان النشاطات والفعاليات والكيانات الثقافية التي تعمل كمنظومة واحدة في مناطق جغرافية مختلفة من الدولة، كذلك تجلى دوره في خلق المسابقات الثقافية الكبيرة والمختلفة، ذات المستوى الراقي، وتبنيه للجوائز الكثيرة والقيّمة كماً وكيفاً في المجالات الثقافية والفكرية والأدبية، وإن كان منطلقها من الإمارات، لكنها تعنى بالأدب العربي والثقافة العربية وكتّابها ومبدعيها، بل يتعدى إلى الاعتراف بما قدمه المستشرقون والمستعربون الأجانب خدمة للثقافة العربية، وبإسهاماتهم في التعريف والنقد وتسليط الضوء على المنجزات الحضارية العربية والإسلامية.
الحقيقة، تتسع الدائرة كثيراً في نوعية الاهتمام، وطريقة الدعم الذي قدمه الكيان الاتحادي للثقافة والفنون في الإمارات، وإن كان يعتقد الكثير أنه كان مقنناً، وطغت الرياضة وتشجيعها عليه، وأن المؤسسات المحلية كانت أقوى من الاتحادية في هذا المجال، وتذبذب وعدم وضوح الخطط المستقبلية والبرامج الاستراتيجية في وزارة الثقافة التي تغيرت مسمياتها وتبدلت أهدافها مرات، مرة تلحق الثقافة بالسياحة والآثار، ومرة بالشباب والرياضة، ومرة أخرى بتنمية المجتمع، لكن عرضاً لا حصراً، يكفي أن لدينا أشياء جميلة وناجحة، معرض كتاب الشارقة الدولي، ومعرض أبوظبي للكتاب سنوياً، لدينا جمعية للصحفيين، واتحاد الكتّاب والأدباء، وجمعية التشكيليين، وجمعية المسرحيين، وجمعيات الفنون الشعبية، وجمعية الاجتماعيين، ولدينا جائزة العويس الثقافية، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة البوكر العربية، وجوائز لشاعر المليون للشعر النبطي، وجائزة أمير الشعراء لشعراء الفصحى، مثل هذه الأشياء وغيرها هي التي رفدت الساحة الثقافية في الإمارات، وأغنت المشهد الأدبي والفني فيها، وهذا أمر تطلب جهوداً كبيرة، وأموالاً وفيرة، وما كان له ليستقيم لولا هذا الكيان السياسي الاتحادي الذي بنى المؤسسات المختلفة ورعاها وشملها بالدعم المستمر، لكن تبقى مسألة مهمة لتعزيز النجاح، وحصد التفوق، وهي المواظبة على صفة التطوير الدائم الذي ننشده، والتجديد المستمر الذي هو الغاية القصوى، لتكون مؤسساتنا المحلية والاتحادية متعافية على الدوام، ولتبقى مظلة حقيقية للثقافة والإبداع.