لا أدري لِمَ غفلنا خلال السنوات الطويلة المنصرمة عن طلب بعثات تعليمية من دول المغرب العربي أو أقلها استجلاب مدرسين ومعلمات من تلك الدول لمزيد من صقل التجربة التعليمية عندنا، ولتنوع مصادر الثقافات الأخرى، وعدم تغليب الجانب المشرقي على الجانب المغربي، خاصة ونحن أعرف بقيمة تجاربنا المختلفة مع مدرسين ومدرسات من جنسيات عربية مختلفة، وخاصة أيضاً، وأن النخب المتعلمة في دول المغرب العربي يشهد لها بالنضج وشمولية المعرفة، وجدية الطرح، والنظرة الواقعية للحياة، وهم في عمومهم مطلعون على ثقافة أجنبية واحدة على الأقل، ويتقنون لغاتها، كالفرنسية والإسبانية والبرتغالية والألمانية وغيرها، بحيث تجد المثقف والسياسي والإعلامي والطبيب والمهندس والمعلم ورجل الدين، وصاحب الاختصاص منهم، قد تعب على حياته، وكرس جهده لكسب المعارف، والتواصل مع الآخر، والاطلاع على ما عنده من معرفة وثقافة وتجربة، وصقل اختصاصه، بحيث يملأ مكانه، وأحياناً يفيض، وقلما تجد واحداً منهم مدعياً أو مضعضعاً في معارفه أو غير ملم إلماماً كاملاً بتخصصه، وثمة صلابة وجدية في التعاطي مع الأمور والأشياء، ولديهم شخصية قوية في الحضور، والثقة بالنفس، وهذا ما نريده لتربية النشء.
إن كسب مثل هؤلاء، ولو على مستوى الأفراد، لا الجماعات في اعتقادي سيحفز التعليم الحديث عندنا، وينوع في مصادره، ويبعث فيه روحاً جديدة وجدّية، يكفينا من تجاربنا السابقة، وبعضها فاشلة، وبعضها الآخر مكررة بفشلها مرات.. ومرات، بالتفكر والتدبر نحو الانفتاح على دول المغرب العربي، والتواصل مع نخبهم المتعلمة والمثقفة، والاستفادة من تجاربهم التربوية والتعليمية، وهو أمر بالتأكيد سيفيد خطواتنا المستقبلية في هذا الشأن، ويعزز من تجاربنا المفتوحة في الاستفادة من الآخرين، خاصة أن الجدّية مهنتهم في الحياة.
نقول هذا بعد كثرة المراس معهم، وتجاربنا المختلفة في مجالات أخرى معهم، ولأضرب مثالاً في مجال الإعلام الرياضي فقط، ناهيك عن التجارب الثقافية والفكرية والفلسفية والتعليم الجامعي والآداب والفنون، فهذه لهم فيها باع طويل، ويبزّون الآخرين بطريقتهم المختلفة، مثالنا، كيف نجح المعلقون والمحللون الرياضيون المغاربة، حتى إنهم أدخلوا مدرسة جديدة علينا في التعليق الرياضي المشرقي الذي كان معتمداً على الوصف الإذاعي في النقل التلفزيوني، فقدموا المعلومة السريعة، وقدموا المعرفة الشمولية، والخلفيات الغزيرة والمفيدة، وقدموا حتى اللفظ الصحيح لأسماء اللاعبين والمدربين، وأسماء الملاعب والمدن، قدموا لنا مباريات ممتعة صوتاً وصورة، الأمر الذي جعل معظمنا يبحث عن معلق منهم دون غيره، لقد فرضوا مدرستهم الجديدة، ونجحت، واستفدنا نحن من هذا النجاح، وهم في مجال التربية والتعليم شأنهم متقدم، ومشهود له، وهم مطلعون على تجارب تربوية أوروبية متقدمة، ولديهم المختلف ليقدموه لنا، ويثرون تجربتنا.. ونحن نقبل التجريب، ونرضى بالتحدي.. فلِمَ لا نجرؤ صوب «العدوة الأخرى»؟.