يطرح الانقلاب الذي وقع في مالي يوم الثلاثاء الماضي سؤالاً عن مستقبل الجماعات والتنظيمات المسلحة التي تتخذ من الإسلام أيديولوجية لها، وتمارس باسمه إرهاباً ضد الدولة والمجتمع هناك، في بلد شهد أربعة انقلابات منذ استقلاله عن فرنسا، وهو قريب جغرافياً لواحدة من أعنف التنظيمات الإرهابية في العالم وهي «بوكو حرام» التي انطلقت من نيجيريا ووصل نفوذها ووجودها إلى عدة بلدان في غرب القارة السمراء.
لم يتمكن تنظيم «المرابطون» المتحالف مع «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» من السيطرة على جزء من أراضي مالي وإعلان «إمارة داعشية» عليها نظراً للتدخل الغربي، خصوصاً الفرنسي، الذي حرمه من أن تحقق هذه الأمنية التي يصر عليها الإرهابيون في بلدان عديدة، فإن لم يتمكنوا من هذا لجأوا إلى عمل آخر عنيف.
فعلى سبيل المثال، سبق لهذا التنظيم أن قام في نوفمبر 2015 باقتحام فندق في العاصمة بماكو واحتجاز رهائن يحملون جنسيات متنوعة، فرنسية وأميركية وصينية وتركية وغيرها، ثم الشروع في قتلهم، لتتدخل لإنقاذهم قوات مالية تساندها وحدة خاصة من الجيش الفرنسي، مرابطة على أرض مالي ويصل عددها إلى 300 فرد، ولولا أن هذا التدخل جاء حاسماً، إلى حد ما، لتمكن الإرهابيون من إزهاق أرواح أضعاف عدد القتلى.
وجاء هذا الانقلاب لينعش آمال التنظيم الإرهابي في حدوث اضطراب في البلاد يتمكن في ركابه من إعادة ترميم صفوفه، والعودة إلى ممارسة العنف بقوة.

وهنا يُفتح الباب أمام نقاش حول الخطط والحيل والأساليب الجديدة للتنظيمات الإرهابية، وعما إذا كانت قد تعود من جديد إلى خطف الأرض، باقتطاع جزء من الدول وإعلانه إمارة لها، مثلما فعلت قبل سنوات، أم أنها ستعاود فقط القيام بعمليات نوعية تتمثل في الهجوم على مناطق حيوية تمكنها من الانتقام لنفسها، وإثارة جلبة إعلامية عارمة حولها، وهذا أحد الأهداف التي تسعى إليها، لفرض وجودها ونفوذها في المجال السياسي والاجتماعي العام، وجذب أنصار لها، يحسبونها تتقدم نحو النصر.
لقد تدخلت فرنسا وحرمت المتطرفين من الاستيلاء على شمال مالي وإعلان دويلة عليه، على غرار ما جرى في سوريا والعراق والصومال، لكن يظل حادث اختطاف تعبيراً عن نزعة انتقامية من الجميع، الدولة المالية والغرب والشرق معاً. فضحايا الحادث موزعون على جنسيات عدة، وقتلهم يتم دون تفرقة، بين دولة شاركت في التصدي للتنظيمات الإرهابية في مالي وأخرى لم تفعل، وهو ما يعني أن الإرهابيين صاروا غير معنيين لا بـ «التوقف والتبين» أمام كل حالة، كما كانوا يفعلون قبل عقود من الزمن، ولا بآثار ما يفعلونه على صورتهم لدى المجتمعات الإسلامية ولا المجتمع الدولي، الذي كان بعضه ينظر إليهم في الماضي باعتبارهم «مناضلين»، بل رأينا مثل هذا الوصف يأتي في كتب باحثين غربيين كبار مثل فرانسوا بورجا وجيل كيبيل وهربرت دكمجيان، وغيرهم.
إن الانقلابيين إذا أخفقوا في تثبيت الحال السياسية والأمنية في البلاد، وتسببوا في فتح باب أمام فوضى أو اضطراب، فإن تنظيم «المرابطون» سيجدد مدداً قوياً يجعله قادرة على الفعل المؤذي، لاسيما أن تنظيمات مثيلة له تنظر إلى بعض ما يفعله، مثل محاولة اقتطاع جزء من الدولة أو الانتقام ممن يساعدونها، باعتباره نموذجاً مفضلاً في المستقبل، حيث إن هذه التنظيمات إن عجزت عن خطف الأرض، ومواجهة الجيوش النظامية، فستقوم بما تسميه «غزوات» أو «عمليات نوعية» ضد مصالح أجنبية في بلاد المسلمين، سفارات وشركات وهيئات وجاليات، للانتقام ولفت الانتباه بشدة، أملاً في أن تفرض نفسها لاعباً سياسياً رئيسياً، وتملي شروطاً نحو تحقيق ما تصبو إليه.

*روائي ومفكر مصري