كيف لا يكون نهائي دوري أبطال أوروبا، هو الأجمل صورة، والأغنى مضموناً، والأرفع شأناً بين كل الدوريات القارية، وأندية «القارة العجوز» تحتكر كأس العالم للأندية بالصيغة المعتمدة حتى الآن بسبعة تتويجات متتالية، بل إن تاريخ الكأس ذات الأُذنين الطويلتين الممتد على سبعة عقود من الزمن، هو بالفعل تاريخ للكثير من الثورات والطفرات التي حدثت في أساليب اللعب، وهو ساحة أنطولوجية لعرض آخر الصرعات في عالم إبداع المنظومات التكتيكية.
كان أياكس أمستردام بأسطورته كرويف، وهو يدخل في سجلاته ثلاثة ألقاب متتالية بين 1971 و1973، قد بشرنا بكرة القدم الشاملة التي ستبهر العالم كله، وأعقبه في تغيير الصورة، بايرن ميونيخ عماد خيمة الكرة الألمانية، فكان مجسماً رائعاً لكرة القدم الواقعية، وهو يعتلي القمة بدلاً من أياكس، ويحقق بدوره الثلاثية التاريخية، وكان دينامو كييف المحسوب على الاتحاد السوفييتي المنحل، شهاباً برق في سماء كرة القدم باللعب الآلي، وكان ليفربول بجيله الذهبي الذي حاز اللقب مرتين توالياً «1977 - 1978»، مجسداً لكرة القدم الاحتفالية، وبرشلونة الذي تُوّج بالكأس مرتين مع «العبقري» بيب جوارديولا أهدانا تلك «التيكي تاكا»، التي تسيدت لزمن ملاعب العرض، بل إن ريال مدريد سيد هذه الكأس وملكها الأسطوري، من عادته أن يهدينا كل عشرين سنة عبيراً كروياً فريداً من نوعه.
ونهائي دوري أبطال أوروبا لهذا العام، فوق أنه شأن إنجليزي خالص للمرة الثانية في آخر ثلاث سنوات، هو مسرح جميل سيشاهد العالم على بساطه مولد كرة قدم متحولة، بل إن المباراة نفسها ستشهد أرقى النزالات التكتيكية بين مدرب ملهم وخلاق ومبدع هو بيب جوارديولا، ومدرب يجيد تجميل أنماط اللعب والارتفاع بها عن النمطية هو توماس توخل.
بالقطع استحق «السيتيزن» و«البلوز» الوصول إلى المباراة النهائية، بما أبدياه من جرأة وجسارة و«علو كعب» في القفز على كل الحواجز، بدءاً بدور المجموعات، ولو فرضنا أن كرة القدم تبقي في مجرتها مكاناً للحظ، فإن ما يتحكم في وقود الإبداع عند السيتي وتشيلسي فكر مدربين ملهمين وخلاّقين، لذلك سيكون هذا النهائي مبارزة من نوع مختلف بين منظومتي تفكير لا تتعارضان في الجوهر، ولكنهما لا تلتقيان أيضاً في كل شيء، وهذا التنوع هو ما سيخصب المشهد الختامي لدوري الأبطال، وهو ما سيجعل «السماويين» و«الزرق» يقدمان مباراة لن تشبه في أي شيء، كل المباريات التي وضعتهما في المواجهة هذا الموسم.
كثير مما أنا مقتنع به كنقاط تفوق وتميز، يجعلني أرشح المان سيتي لرفع كأس الأبطال لأول مرة في تاريخه، وبعض مما علمتنا إياه كرة القدم، من كيمياء بالغة التركيب يجعلني مقتنعاً أن «البلوز» لن يبيع جلده رخيصاً.