تشهد إيران اليوم معركة «تكسير عظام» بين «المحافظين» و«الإصلاحيين» بشأن مستقبل الجمهورية تنعكس على معركة الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 18 يونيو المقبل. وليست مبالغة بالقول إن نسبة مشاركة الناخبين في هذه الانتخابات ستكون حاسمة لمستقبل النظام السياسي في طهران. 
إن الأجواء «الباردة والصامتة» للانتخابات الرئاسية تثير الرعب داخل النخبة الحاكمة الإيرانية من «انتخابات بلا ناخبين»، فهذه الانتخابات تمثل الأداة الرئيسية لتخفيف احتقان الرأي العام ولو لفترة قصيرة وابقاءالآمال والطموحات بالتغيير. ومن هنا يمكن قراءة تصريح المرشد الإيراني علي خامنئي بأن «الانتخابات الرئاسية فرصة يجب ألا يضيعها الإيرانيون لتقدم البلاد ومنع أطماع الأعداء»، بل قوله إن «المشاركة تبعث على قوة إيران واستقرارها». 
وقد يرى البعض أن فرص الجناح «المحافظ» تتزايد مع تراجع نسب المشاركة في المدن، مستندين إلى أن انخفاض نسب المشاركة في المدن وبالأخص في طهران إلى نحو 25% فقط ساهم في فوز التيار «المحافظ بالأغلبية في البرلمان. وبالتالي فإن من مصلحة التيار «المحافظ» انخفاض نسب المشاركة لضمان فوز أحد مرشحيه بالرئاسة وضمان الانفراد بالنظام السياسي وكافة مؤسساته. 
إن معادلة «مشاركة أقل انتصار مضمون للمحافظين»، قد تقلق الإصلاحيين، ولكنها بمثابة «كابوس» للتيار المحافظ نفسه!. فتراجع ثقة الإيرانيين في النظام السياسي في هذه اللحظة «الفارقة» بكل ما تتضمنه من احتمالات السعي لخوض مفاوضات حاسمة مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي، وتزايد وتيرة الاستياء في الشارع. كل هذه العوامل تجعل التيار«المحافظ» يرى أن تراجع الثقة في النظام في اللحظة الراهنة قد يقود إلى مواجهة «شبح الإنهيار» في حال الدخول النخبة في صراع على خلافة خامنئي، أو الفشل في إنهاء العقوبات الأميركية واستمرار تزايد الأعباء المعيشية وتداعياتها على ارتفاع وتيرة الاحتجاجات. 
إن الحوار «السري» داخل النخب المحافظة اليوم هو محاولة للإجابة على سؤال صعب يتمثل في «هل الانفراد بالسلطة في اللحظة الراهنة هو الرهان الصحيح؟»، فلا يخفى على أحد أن الكثيرين داخل الحوزات الدينية يرون أن الأسلم للجميع ترك رئاسة الدولة للتيار «الإصلاحي» بهدف الحفاظ على «التوازن الهش» الراهن بدلاً من السقوط في معادلة «المواجهة الصفرية» بين شوارع «غاضبة» ونظام سياسي في لحظة أزمة قادمة. 
خامنئي نفسه يرغب في مشاركة مرتفعة في الانتخابات، فهو يدرك جيداً أن شرعية «الثورة» ومؤسسات الدولة تقوم على ارتفاع أعداد الذاهبين إلى صناديق الاقتراع لتجديد الولاء للنظام السياسي، بغض النظر عن من سيفوز بمنصب الرئيس. وقد اشتكى المرشد الإيراني من تراجع نسب المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة (فبراير 2021)، ولم يقتنع بتبرير البعض أن انخفاض النسب إلى 43% فقط يعود إلى المخاوف من «كورونا». 
خامنئي يدرك جيداً أن نسب المشاركة في الانتخابات تعكس العلاقة بين الدولة والمجتمع، ففي لحظات الحشد لصالح الجمهورية (الحرب العراقية – وفاة الخميني)، كانت ترتفع نسب المشاركة في الانتخابات تعبيراً عن تجديد الولاء للنظام، بينما تراجعت في 2004 (على سبيل المثال) على خلفية احباط المدينة من فشل الحركة «الاصلاحية» بقيادة محمد خاتمي في تحقيق أهدافها. هكذا فإن نسب المشاركة تظل الهدف الرئيس لخامئني في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فهو يريد أن يعيد الثقة في النظام السياسي لينجح في مواجهة فترة «قلقة» قادمة لا محالة مع غيابه. 
إن خامنئي الذي يشدد دوماً على أن «التصويت واجب ديني على كل الإيرانيين ووسيلة لهزيمة الأعداء»، يدرك أن التصويت في الانتخابات الرئاسية هو بمثابة الوسيلة الوحيد للحيلولة دون سيناريو اهتزاز النظام السياسي الذي أصبح حلبة صراع مفتوحة تتحكم فيها المصالح الشخصية بعيداً عن الغايات القديمة لتأسيس جمهورية مستقرة. ولكن يبدو وفقاً للاستطلاعات التي تشير إلى مشاركة لن تزيد عن 42% أن الإيرانيين لن يساعدوا خامنئي في «هزيمة المخاطر».

أكرم ألفي