انطلاق معرض أبوظبي الدولي للكتاب في نسخته الثلاثين وسط تراجع القطاعات الإبداعية والثقافية جراء جائحة (كوفيد - 19) يؤكد إصرار القيادة الحكيمة على تسريع عملية التعافي الاقتصادي من خلال إثراء الحراك المجتمعي، وفق جهود مثمرة للتصدي للجائحة يعززها الوعي بالتنوع الثقافي في العيش ضمن أكثر من 200 جنسية في مجتمع واحد ومتكاتف. بيئة الإمارات الجاذبة للاستثمارات الأجنبية حققت نمواً بنسبة 44% في الاستثمارات الأجنبية الواردة في 2020 مقارنة بـ2019، لتصل إلى 73 مليار درهم بفضل تطبيق إجراءات قصيرة الآمد في الحوافز والدعم المالي وآلية الاستجابة السريعة للأزمات التي منحت المستثمرين الثقة بمتانة الاقتصاد الوطني.

 التحول إلى نموذج الاقتصاد الجديد القائم على المعرفة يتحقق من خلال دعم الاقتصاد الثقافي، الذي بات عنصراً مهماً في اقتصادات دول العالم، كونه محركاً للنمو الاقتصادي المستدام ومساهمته المباشرة في الناتج المحلي الإجمالي، فإن الثقافة والمعرفة كلما زاد استهلاك الشخص لها زادت رغبته في المزيد وبذلك يستمر الإنتاج المعرفي والثقافي، حتى في وقت الأزمات الوبائية، التي دفعت الأسر إلى قراءة الكتب أثناء البقاء في المنازل. إلا أن تفسير مفهموم الاقتصاد الثقافي هو أكبر من ذلك، وهو مجموعة من الأنشطة الثقافية والصناعات الإبداعية مثل المسرح، والدراما، والسينما، وإصدارالكتب والنشر وغيرها ذات العلاقة، التي تدرّ أرباحاً ولها رؤوس أموال، وسوق تجارية وخدمات ومنتجات معرفية، تقدم للمجتمع مما يولد لديهم المعرفة وفرص إبداعية قد يكون لها عوائد اقتصادية وتوفير وظائف شاغرة للباحثين. 

وتعتبر الإمارات وجهة مفضلة إقليمياً ودولياً لصناعة السينما، نظراً لتوافر إمكانات جذب متنوعة كناطحات السحاب، ومدن إستديوهات ومتاحف عالمية مثل لوفر وجوجنهايم مما يعزز الإدماج الاجتماعي. 

وضمن هذا الإطار، يأتي معرض أبوظبي الدولي للكتاب كفعالية ثقافية تتجاوز نطاقها المحلي باستقطاب ضيوق شرف عالميين، وأكثر من 800 عارض مشارك من 46 دولة من حول العالم.
لدى الإمارات مقومات الجذب الثقافي، كونها تمتلك مجتمعاً منفتحاً على العالم ودبلوماسية ناجحة، جعلتها تتبوأ المرتبة الأولى عربياً في القوة الناعمة والمرتبة 18 دولياً، حيث الاستثمار في الثقافة سيكون واعداً في ظل دبلوماسية وثقافة إماراتية غنية، تهتم بتراثها وتنفتح على الثقافات الأخرى. الأنشطة الثقافية تعزز النمو الاقتصادي، وتؤهل المجتمع للتعافي من تداعيات الجائحة.
وتحرص الإمارات على تنويع منتجها الثقافي بتوسيع روافد الأنشطة مثل معارض الكتب ومهرجانات الحرف اليدوية ومنها الخط العربي والفعاليات المعنية بفنون التراث والخيامة، وكذلك مسابقات الشعر، والرواية، ومهرجانات الموسيقى والسينما، ضمن أفق يتجاوز المحلي إلى الإقليمي والعالمي.
هذا الزخم يشكل فرصة قوية لتحقيق تطلعات المستثمرين في القطاع الثقافي، الذين يجدون بيئة مشجعة من خلال السياسات والتشريعات توفر أرضية مثالية للاقتصاد الثقافي وحماية الملكية الفكرية من خلال إعداد موسوعة وطنية تشمل جميع جوانب الثقافة الإماراتية. وأيضاً قياس مؤشرات قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية في الناتج المحلي الإجمالي. وأخيراً، نتمنى للجميع الاستمتاع بمعرض أبوظبي الدولي للكتاب في نسخته الثلاثين.

*باحث إماراتي في القضايا الجيوسياسية