في ظل تدفق المعلومات الخاطئة، والتعليقات غير الدقيقة على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، عن مرض العفن الأسود الذي أصاب الآلاف في الهند، وقتل العشرات بالفعل، لدرجة إعلان بعض الولايات الهندية أنه وصل لدرجة الوباء، أصبح من الضروري توضيح بعض الحقائق الأساسية عن هذا المرض، وتحديد حجم الخطر الناتج عنه.
بداية هذا المرض ليس بالجديد، بل معروف منذ زمن بعيد، وينتج عن العدوى بأحد أنواع الفطريات، ويصيب غالباً الرئتين، والأنف والعينين، والجيوب الأنفية، والمخ. ويتواجد هذا الفطر في الأماكن الرطبة، وفي التربة، وروث الحيوانات، وبعض النباتات، والخضروات والفواكه عند تعفنها وتحللها.
ومن النادر الإصابة بهذا المرض، حيث غالباً ما يصيب من يعانون أصلاً من نقص شديد في المناعة، مثل المصابين بفيروس الإيدز، أو من يتلقون أدوية وعقاقير مثبطة للمناعة بعد عمليات زراعة الأعضاء، أو من يتلقون عقاقير الكورتيزون لفترات طويلة، أو مرضى السكري، وخصوصاً الذين يعانون من ارتفاع شديد في مستوى السكر في الدم لفترات طويلة، ومؤخراً المصابين بفيروس كوفيد19.
ويشترك هؤلاء المرضى جميعاً في حقيقة أنهم يعانون من مشاكل صحية تؤثر سلباً على فعالية جهاز المناعة، وخصوصاً مرضى السكري الخارج عن السيطرة، والذين كانوا يشكلون غالبية حالات الإصابة سابقاً، وإن كان حتى هؤلاء كان عددهم قليلاً جداً نسبياً.
وما حدث مؤخراً في الهند، هو ارتفاع هائل وغير مسبوق في عدد حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19، والمعروف عنه أن يصيب جهاز المناعة بحالة من الارتباك والضعف، كما يتم علاجه بعقار الديكساميثازون الذي يؤثر سلباً بدوره على فعالية جهاز المناعة. أضف إلى ذلك ارتفاع معدلات الإصابة بداء السكري بين الهنود، وفقدان السيطرة على مستوى السكر في الدم في غالبية الفقراء منهم، بسبب ارتفاع أسعار العلاج وخصوصاً هرمون الإنسولين لمستويات خارج القدرات المالية للكثيرين منهم، كما أن هذا البلد الآسيوي يتميز بمناخ شبه استوائي، واستوائي دافئ ورطب، مما يشكل بيئة مناسبة لنمو هذا الفطر.
ومن الممكن علاج مرض العفن الأسود، باستخدام عقار معين Amphotericin B، من خلال الحقن الوريدي، يومياً، لفترة تصل إلى 8 أسابيع. وقبل وقت ليس بالبعيد، كان هذا العقار متوفراً على نطاق واسع، ولكن الزيادة الملحوظة في عدد الحالات مؤخراً، أدت إلى نقص حاد، ويتوقع أن تعوض شركات الأدوية هذا النقص عن قريب من خلال زيادة الإنتاج.
* كاتب متخصص في الشؤون العلمية